بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 تشرين الثاني 2018 12:05ص رسول الإنسانية

حجم الخط
بقلم. د.محمد مختار جمعة*

نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) نبي الإنسانية ورسولها ، سواء من حيث كون رسالته جاءت رحمة للعالمين حيث يقول الحق سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، أم من حيث كونها للناس كافة، حيث يقول الحق سبحانه {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}، وحيث  يقول نبينا ( صلى الله عليه وسلم ): «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة، وأعطيت الشفاعة»، أم كان ذلك من جهة ما تضمنته الرسالة من جوانب الرحمة والإنسانية وتكريم الإنسان لكونه إنسانًا بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه أو لغته، حيث يقول الحق سبحانه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}.
البعد الانساني
ويتجلى البعد الإنساني في حياة سيدنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في معاملته لأصحابه وأزواجه وأحفاده والناس أجمعين، فكان ( صلى الله عليه وسلم ) يقول عن سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه: «إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر» وفي رواية أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال: «إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي»، وكان يقول عن سيدنا سلمان الفارسي: «سلمان منا آل البيت»، وكان خير الناس لأهله وهو القائل عن أم المؤمنين خديجة (رضي الله عنها): «آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء»، وظل وفيًّا لها طوال حياتها حتى بعد وفاتها، فكان يكرم صديقاتها ومن كن يأتيه على عهدها ، فقد جاءت عجوز إلى بيته ( صلى الله عليه وسلم ) فقال لها: من أنت؟ «قالت: أنا جثامة المزنية، فقال: «بل أنت حسانة المزنية، كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟» قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فلما خرجت قالت عائشة: يا رسول الله، تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ فقال: «إنها كانت تأتينا زمن خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان».
وكان شديد الحب لأحفاده شديد الحفاوة والعناية بهم، فعن أبي بكرة قال: رأيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على المنبر والحسن بن علي معه، وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة ويقول: إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، ولما رآه الأقرع بن حابس يقبل الحسن والحسين ، قال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم قال: «من لايرحم لا يرحم» وفي رواية: «أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة».
وكان ( صلى الله عليه وسلم ) أرحم الناس بالناس وبخاصة الأطفال والضعفاء حيث يقول ( صلى الله عليه وسلم ): «إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبِي،فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه»، ويقول ( صلى الله عليه وسلم ): «من صلى بالناس فليخفف فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة».
الجود الانساني
وعلمنا ( صلى الله عليه وسلم ) الجود الإنساني والذوق الراقي في آن واحد  فقال ( صلى الله عليه وسلم ): «لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق», وقال ( صلى الله عليه وسلم ): «لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة», سواء من جهة المعطية المنفقة التي لا ينبغي أن تستحي من قلة ما تملك فتحجم عن العطاء, فرب درهم سبق ألف درهم, يقول ( صلى الله عليه وسلم ): «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب– ولا يقبل الله إلا الطيب– فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيهالصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل», أم كان ذلك من جهة الآخذة أو الآخذ, إذ لا ينبغي أن نُحرج المعطي أو المهدي وإن كان ما يهديه قليلا, بل علينا أن نشكر له صنيعه وإن كان يسيرًا, حيث يقول نبينا ( صلى الله عليه وسلم ): «من لم يشكر الناس لم يشكر الله»، وهو ما أكده سيدنا عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) في حديثه عن الوصايا العشر في سورة الأنعام.
ومن هنا فإن إعلاءنا للقيم الإنسانية ليس أمرًا سياسيًّا أو مجرد أمر إنساني, إنما هو عقيدة وشريعة ودين ندين به لله (عز وجل), فبدل أن تتناحر الأمم والشعوب وتتقاتل ويعمل بعضهم على إفناء أو إضعاف أو إنهاك أو تفتيت بعض, فليتعاون الجميع لصالح البشرية جمعاء, حيث يقول الحق سبحانه: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا}.
ولو أن البشرية أنفقت على معالجة قضايا الجوع والفقر والمرض والتنمية معشار ما تنفق على القتال والحروب والتخريب والتدمير, لتحول حال البشرية إلى ما يصلح شؤون دينها ودنياها.
* وزير الاوقاف المصري