د. محمد قاسم المنسي*
عندما نتأمل سلوكنا قبل رمضان نرى كيف تمتلئ المتاجر بالسلع وكيف تكون الأسواق مزدحمة والاقبال على الشراء بمعدلات غير مسبوقة.. والاستعدادات الإعلامية على قدم وساق.. وفي كل عام تزداد السوق الإعلامية شراسة لمحاصرة المسلم في ليله ونهاره.. وصومه وإفطاره.
ولعالم النفس الشهير اريك فروم رؤية محددة في فهم حقيقة العالم الذي نعيش فيه، ملخصها: ان العالم يتجاذبه أسلوبان في الوجود وطريقة الحياة.. يتصارعان من أجل الفوز بالنفس البشرية.. فالأسلوب الأول وهو المهيمن في الوقت الحاضر هو أسلوب التملّك الذي ينصب ويركّز على جانب التملك المادي والقوة المادية.. أما الأسلوب الثاني وهو المقابل البديل فهو أسلوب الكينونة الذي يعتمد على القيم الإنسانية من الحب والخير والعطاء والتسامح والإيثار.. ومن المثير حقا ان الاسلوب التملكي سوف يدفع العالم من الناحية البيئية والنفسية الى حافة الهاوية.. أما الأسلوب الثاني فهو الذي سيجنّب الإنسانية الوقوع في الكارثة، نتملك أو نكون هذا هو السؤال.. وبدورنا نتساءل: أين يقع رمضان من هذين الأسلوبين؟
وبالنظر إلى السلوك المشار إليه في بداية المقال نجده كله يصب في الأسلوب الأول حيث يكون شعار الإنسان: أنا موجود بقدر ما أملك واستهلك.. وفي ظل هذا الجو المادي يأخذنا رمضان الى أجواء روحية ونفسية من الحب والخير والعطاء والسكينة.. ومن هنا نفهم لماذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة وكان أجود ما يكون في رمضان.. وذلك في توجيه واضح للأسلوب الذي يقابل به الإسلام هذه النزعة المادية وهو أسلوب: أنا موجود بقدر ما أتصدّق وأعطي وأجود بكل ما أستطيع.. فالسعادة لا يصنعها التملّك وإنما يصنعها الكينونة.. ونستطيع أن نقول بعد ذلك: كم نحن بحاجة إلى رمضان حتى نتجنّب الوقوع في الكارثة.
ومن المعلوم أن الثقافة الإسلامية المستمدة من القرآن والسنّة تدعو إلى التوسط والاعتدال في كافة شؤون الحياة وخاصة في رمضان، ومن ثم فإن رمضان فرصة للتدرب على الانفاق والاستهلاك المعتدل تحقيقا لمقاصد الصيام وأهدافه.
* أستاذ الشريعة في كلية دار العلوم - جامعة القاهرة