ان من ترك للّه شيئاً عوّضه الله خيراً منه، والعوض من الله أنواع مختلفة وأجلّ ما يعوّض به الإنس بالله ومحبّته وطمأنينة القلب بذكره وقوّته ونشاطه ورضاه عن ربّه تبارك وتعالى مع ما يلقاه من جزاء في هذه الدنيا ومع ما ينتظره من الجزاء الأوفى في الآخرة.
من تصدّق بورك له في ماله... ففي القرآن الكريم {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}, وفي الحديث الشريف: ما نقص مال من صدقة، ومن ترك الانتقام والتشفّي مع قدرته على ذلك، عوّضه الله انشراحاً في الصدر، وفرحا في القلب؛ ففي العفو الكثير من الطمأنينة والسكينة وعزّها وترفّعها. «وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزّا»، ومن ترك التكبّر والتعالي وتواضع كانت الرفعة والمحبة وعلو المكانة من نصيبه: «وما تواضع أحد للّه إلا رفعه الله...».
ومن ترك مسألة الناس ورجاءهم، وإراقة ماء الوجه أمامهم، وعلّق رجاءه بالله دون سواه عوّضه خيراً مما ترك فرزقه حرية القلب وعزّة النفس والإستغناء عن الخلق... ففي الحديث: إن ناسا من الأنصار، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده، فقال: ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر.
ومن ترك الاعتراض على قدر الله فسلّم لربّه في جميع أمره رزقه الله الرضا واليقين وأراه من حسن العاقبة ما لا يخطر له ببال، ففي الحديث: إن المعونة تأتي من الله للعبد على قدر المؤونة، وإن الصبر يأتي من الله على قدر المصيبة.
ومن ترك التكالب على الدنيا جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه.. وأتته الدنيا وهي راغمة، ففي الحديث: من كانت الدنيا همّه فرّق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ومن كانت الآخرة نيّته جمع الله أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة.
ومن ترك الخوف من غير الله وأفرد الله وحده بالخوف سَلِمَ من الأوهام وأمّنه الله من كل شيء فصارت مخاوفه أمناً وبرداً وسلاماً.
من ترك الكذب ولزم الصدق في ما يأتي ويذر هُدي إلى البر وكان عند الله صدّيقاً ورزق لسان صدق بين الناس فسوّدوه وأكرموه وأصاخوا السمع له لقوله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة. وما يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقا. وإيّاكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار. وما يزال الرجل يكذب ويتحرّى الكذب حتى يكتب عند الله كذّابا.
ومن ترك النظر إلى المحرّم عوّضه الله فراسة صادقة ونوراً وجلاء ولذّة يجدها في قلبه.