سوء الظن
* في بعض الأحيان أظن ببعض الناس ظناً سيئاً. لكن من غير دليل قاطع، فكيف يكون التوفيق بين ما جاء من ذم سوء الظن والنهي عنه وبين الظن بأهل المعاصي؟!
فادي المحمود - بيروت
- لقد نهانا الشارع الحكيم عن الظن السيئ بالناس. وهو: حمل تصرفاتهم على الوجه السيئ بلا قرينة أو بينة. إذ الأصل فيهم البراءة والسلامة. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن. إن بعض الظن إثم»} «الحجرات: 12».
ومعنى كونه إثماً أنه: إما أن ينشأ على ذلك الظن عمل أو مجرد اعتقاد. فإن كان قد ينشأ عليه عمل من قول أو فعل. كالاغتياب والتجسس وغير ذلك فليُقدر الظان أن ظنه كاذب. ثم لينظر بعد في عمله الذي بناه عليه فيجده قد عامل به من لا يستحق تلك المعاملة. من اتهامه بالباطل. فيأثم مما طوى عليه قلبه لأخيه المسلم.
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والظن. فإن الظن أكذب الحديث. ولا تحسسوا. ولا تجسسوا. ولا تحاسدوا. ولا تدابروا. ولا تباغضوا. وكونوا عباد الله إخواناً» متفق عليه.
وفي هذا الحديث تحذير من سوء الظن بالمسلمين من غير علم ولا تيقن. وليس المراد ترك العمل بالظن الذي تناط به الأحكام غالباً. بل المراد ترك تحقيق الظن الذي يضر بالمظنون به. وكذا ما يقع في القلب بغير دليل. وذلك أن أوائل الظنون إنما هي خواطر لا يمكن دفعها.
والمراد بالظن هنا: التهمة التي لا سبب لها.. كمن يتهم رجلاً بالفاحشة من غير أن يظهر عليه ما يقتضيها. ولذلك عطف عليه قوله: «ولا تجسسوا». وذلك أن الشخص يقع له خاطر التهمة فيريد أن يتحقق فيتجسس ويبحث ويستمع. فنهى عن ذلك.
والنصوص الشرعية كثيرة ومتضافرة في الحض على إحسان الظن بالمؤمنين. ومن ذلك ما جاء في حادثة الإفك. والتي نزل بسببها قرآن يتلى إلى يوم الدين في تبرئة أم المؤمنين السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ وأرضاها. والشاهد من تلك الآيات قوله تعالى: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين} «النور:12».
ولقد ذكر فقهاء الشافعية وغيرهم من العلماء أن الظن في الشرع ينقسم إلى واجب ومندوب وحرام ومباح:
فالواجب: حسن الظن بالله تعالى. والحرام: سوء الظن به تعالى. وبكل من ظاهره العدالة من المسلمين.. والمباح: الظن بمن اشتهر بين المسلمين بمخالطة الريب. والمجاهرة بالخبائث. فلا يحرم ظن السوء به. لأنه قد دل على نفسه. كما أن من يستر على نفسه لم يظن به إلا خيراً. ومن دخل مدخل السوء اتُهم.. ومن الظن الجائز بإجماع المسلمين ما يظن الشاهدان في التقويم. وما يحصل بخبر الواحد في الأحكام بالإجماع. ويجب العمل به قطعاً. والبينات عند الحكام.
أما المراد بسوء الظن الذي قيل عنه: إنه من حسن الفطن هو الحذر والاحتراز والاحتراس. لا امتلاء القلب بالظنون السيئة بالناس. بلا تيقن أو بينة.
والفرق بين الاحتراز وسوء الظن: أن المحترز بمنزلة رجل قد خرج بما له مسافراً. فهو يحترز بجهده من كل قاطع للطريق. وكل مكان يتوقع منه الشر. وكذلك يكون من التأهب والاستعداد وأخذ الأسباب التي بها ينجو من المكروه.
أما سوء الظن فهو: امتلاء قلبه بالظنون السيئة بالناس بغير سبب حتي يظهر على لسانه وجوارحه، وعليه: فإن سوء الظن بمن اشتهر بالعدالة من المسلمين محرم شرعاً. والظن المباح هو بمن اشتهر بمخالطة الريب والمجاهرة بالخبائث. فلا يُحرم ظن السوء به، والله اعلم.