بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 تشرين الثاني 2020 12:00ص صلة الأرحام.. طاعة عظيمة

حجم الخط
الشيخ وسيم مزوق*

لقد بيَّن الله سبحانه وتعالى عظم قدر الأرحام في القرآن الكريم حيث قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} وبيَّن عزّ وجلّ خطورة وعقوبة قاطع الرحم في سورة محمد حيث قال: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}، فصلة الرحم واجبة وهي طاعة عظيمة وأجرها كبير, وقطيعتها معصية من كبائر الذنوب، وبالرغم من ذلك نرى في الأسر الإسلامية قطيعة الرحم والنزاع والشقاق والفُرقة بين الأشقاء والشقيقات وبين الأبناء والآباء والأمهات.

أسباب لا بد من علاجها

إذن.. لا بدّ أن نبيّن أسباب ذلك، ووسائل وكيفية العلاج لكي يسلم العبد المؤمن في دنياه وآخرته، فنذكر بعض أسباب الخلافات والشقاق المؤدّية لقطيعة الرحم وكيفية معالجتها:

1- الكِبر: بأن يكون غنياً أو آتاه الله منصباً رفيعاً أو جاهاً عريضاً فيستنكف أن يبادر هو بصلة رحمه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»، فالمتكبّر عليه أن يتوب إلى الله ويقلع عن تكبّره وإلا فحسابه عظيم وأليم في الدنيا قبل الآخرة.

2- الشح والبخل: فقد يكون غنياً ويخاف أن يطلب أرحامه منه شيئاً فيتهرّب منهم، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يتعوّذ من البخل فيقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهمّ، والحزن، والعجز، والكسل، والبخل، والجبن وضلع الدين، وغلبة الرجال»، فالبخيل عليه أن يعوّد نفسه على الإنفاق والعطاء وأن يكثر من الدعاء الذي ذكرناه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

3- رغبته عدم اطلاع أرحامه على حاله وسوء الظن بهم: فبعض الأغنياء يخرج زكاته إلى الأباعد ويترك الأرحام ويقول إذا أعطيت الأرحام عرفوا مقدار ما عندي، فيسيء الظن بهم ويقوم بقطيعتهم خوفاً من حسدهم، ولذلك قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم..}، فهذه الآية نداء وخطاب من الله لمن يظن السوء بأقاربه ويخاف منهم فليس كل قريب حاسد بل ربما تجد من يدعو لك ويحب الخير لك.

4- الانشغال بالدنيا: كثرة المشاغل الدنيوية والملهيات الكثيرة المنتشرة اليوم التي تضيع وقت العبد تجعل الإنسان لا يجد وقتاً لصلة الأرحام، ولذلك قال حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم: «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك, وصحتك قبل سقمك, وغناك قبل فقرك, وفراغك قبل شغلك, وحياتك قبل موتك».

5- الميراث: تأخير قسمته مما يسبب العداوة بينهم وربما اتهم كل واحد الآخر وأنه يريد أن يأكل من الميراث أو عدم العدل من قِبَل الوالدَين في حياتهما بين الأولاد مما يسبب البغض والحقد والحسد والقطيعة بين الأشقاء، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم».

أيضاً لا بد من الإشارة إلى مسألة منتشرة بين الناس وتسبب بقطيعة الرحم بين الأخ وأخته ألا وهي حلي أو ذهب الأم حيث يقولون: إن الذهب الأم بعد الوفاة من حق البنات أي الإناث ولا يحق للذكور أن يأخذوا شيئاً، وهذا لا أصل له في الشرع لأن جميع ممتلكات الأم بعد وفاتها يطبق عليه أحكام الميراث فبالتالي يجب أن يقسم للذكور نصيبهم من الذهب حسب القسمة الشرعية.

6- كثرة الأسئلة والعتاب الشديد: فبعض الأرحام عندما تزوره يبدأ بمعاتبتك لماذا لم تزرني لماذا.. ولماذا..؟! حتى يضيق الزائر بذلك ويحسب للزيارة الأخرى ألف حساب أو يكثر من الأسئلة الشخصية عن الآخر والتدخّل فيما لا يعنيه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».

7- التقليد للوالدين: إذ ربما لم يرَ من أبيه أنه يصل أقاربه فيصعب على الابن وصل قرابة أبيه, وكذلك بالنسبة للأم أو يقوم بتقليدهما في ذلك فيقول: الوالد والوالدة لم يكونا يقومان بالزيارات العائلية، وهنا نحذّر الآباء والأمهات من هذا الأمر لأنهما القدوة.

8- الزوجة الطالحة: إذ إن هناك من الزوجات من تنفر زوجها من أقاربه, ولا تريدهم فتقول وتعمل ما يجعل هذا الزوج ينفر من أرحامه.

فمثلاً بعض الزوجات تحاول إبعاد زوجها عن أرحامه بكلامها فإذا تكلمت معه قالت فلان لا يحبك، فلان لا يحترمك، فلان يحتقرك إنما جاءك لحاجة فإن لم تكن حاجة نسيك، وربما استغلت بعض المواقف لتدلل على قولها, مما يثير حفيظة هذا الزوج على أرحامه.

9- الجهل بفضل صلة الرحم وعاقبة قطيعتها وضعف الدين وبالتالي يزهد بالثواب على صلة الرحم, ولا يأبه للعقاب على قطيعتها فيظن أن ذلك صغيرة وليس بكبيرة ويفكر أن عقوبة قاطع الرحم تذهب بالوضوء، ولذلك أمرنا صلى الله عليه وسلم بطلب العلم ففي الحديث الشريف: «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، وقال عليه الصلاة والسلام: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين».

وأختم الكلام بثلاثة آداب يستحب سلوكها مع الأقارب والأشقاء عسى أن تكون سبباً في زيادة المودة والرحمة والألفة بينهم: الصفح عنهم ونسيان معايبهم ولو لم يعتذروا منك، توطين النفس وتدريبها على الصبر على الأقارب والحلم عليهم، والمبادرة بالهدية إن حدث خلاف معهم، أسأل الله عز وجل أن يجمع شتات أمرنا وأن يؤلف بين قلوبنا وأن يصلح ذات بيننا وأن يهدينا سبل السلام.

* إمام وخطيب مسجد المجيدية