بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 آذار 2021 12:00ص علماء الأزهر مع اقتراب ذكرى الإسراء والمعراج: مهما اشتدّت الكرب من حولنا يقيننا كبير بفرج الله تعالى

حجم الخط
يحتفل المسلمون في 27 من رجب الجاري بذكرى الإسراء والمعراج والتي تُعدّ مناسبة غير عادية كون الرحلة تحمل الكثير من المعجزات التي أخبرنا بها القرآن الكريم ورسول الله  صلى الله عليه وسلم.. إلا أن ما يميّز هذه الرحلة أيضا أنها تذكّر المسلمين بما يحدث للمسجد الأقصى أولى القبلتين ومسرى نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام..

ولكن كيف نستثمر هذه الذكرى على كل الأصعدة الحياتية حتى نكون في سائر الأيام على بصيرة من الأمر وتكون الذكرى دوما حاضرة في نفوسنا وأفعالنا؟..

فإن ذكريات الأحداث العظام في تاريخ الإسلام مناسبة يجب أن تستثير فينا روح اليقظة، والالتفات بجديّة إلى ما صارت عليه أوضاع العالم الإسلامي كله، عربية وغير عربية.. وإذا كان الإسراء والمعراج يُعدّ فيصلا بين فترتين تاريخيتين من حياة رسول الله  صلى الله عليه وسلم بل يعدّ انتقالا إلى مرحلة قوية من مراحل الدعوة وإعلان لعالمية الإسلام حيث فرضت العبادة التي تبيّن إيمان الفرد وحسن صلته بالله عزّ وجلّ وهي فريضة الصلاة التي تفرّق ما بين المسلمين وغيرهم فإننا يجب أن نلتفت إلى هذا الحدث العظيم ونأخذه نورا كنور الصلاة التي فرضت فيه أو أثنائه لننظر فيما آلت إليه أمور العالم الإسلامي.

إنها ذكرى تدعو كل علماء الأمة الإسلامية وأئمة وخطباء المساجد إلى تذكير المسلمين بواجبهم نحو المسجد الأقصى للمحافظة عليه وعدم تدنيسه وتنوير الرأي العام الإسلامي بحقيقة الأحداث التي يفتعلها اليهود في القدس والمقدسات الإسلامية.

طه

د. حمدي طه الأستاذ بجامعة الأزهر قال إن الغرض الحقيقي من أعظم آية في الإسراء والمعراج ليس المسرى برسول الله  صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى الأقصى للفسحة والنزهة وليس المعراج للترفيه وإنما كان القصد من هذه الرحلة الأرضية السماوية هو تثبيت قلب رسول الله  صلى الله عليه وسلم نتيجة ما لاقاه من أهل الطائف ولذلك أراد الله أن يثبت قلب رسول الله  صلى الله عليه وسلم «لنثبت فؤادك» وهي إشارة وعلامة من الله سبحانه وتعالى لتلك الأمة أنها إذا نزلت بها المحن وضاقت عليها السُبل واشتدّ عليها الكرب فيجب أن تسرى وتعرج بنفوسها إلى الخالق الأعظم وفيها إشارة ودلالة من الله سبحانه وتعالى لشباب الأمة أنهم يجب عليهم ألا يصيبهم الكدر والضيق واليأس فإن مع العسر يسرا.. ويجب عليهم أن يتحركوا ونيّتهم متعلقة بالله سبحانه وتعالى مصداقا للحديث القدسي «عبدي حرك يديك ينزل إليك رزقي» وكما قال سيدنا عمر وهو يرشد الأمة إلى عدم اليأس والقنوط ويجب عليهم العمل إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة وإنما الذهب والفضة يأتي بالعمل والتوكل على الله «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتعود بطاناً».. فالنبي  صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة خرج من مكة وهو في حالة ضيق وعاد إليها بعد أن رأى من آياته الكبرى مسرورا سعيدا ثابتا على الحق داعيا إلى الله بجدّ ونشاط، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى القصد من هذه الرحلة {لنريه من آياتنا} والآيات هي التي تثبت قلب الإنسان وتشدّ من عزيمته وتوثق الصلة بينه وبين الخالق الأعظم {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب}.

كما أن مما نأخذه من الإسراء والمعراج أن أهل الأرض جميعا لو تكالبوا على الإنسان واشتدّ عليه الكرب منهم فلو اشتدّت قوة إيمانه وتوكل على الله واتقاه لجعل له من هذا الضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب.

كما أن من أهم الدروس المستفادة من هذه الذكرى أن الصلاة فرضت على أمتنا في هذه الليلة المباركة من فوق سبع سماوات، فكانت كلما جاء في الصحيح قرة عين رسول الله  صلى الله عليه وسلم وعلينا أن تكون الصلاة قرة أعيننا لأن لنا فيها الأسوة الحسنة وبذلك ندعو المسلمين إلى الصلاة لأنها الركن الثاني من أركان الإسلام

عطية

أما الدكتور مبروك عطية الأستاذ بجامعة الأزهر فقال: لقد أسرى الله تعالى بنبيه  صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ليريه من آياته وجاء التعبير في قوله تعالى {سبحان الذي أسرى بعبده} ليردّ على الذين زعموا أن الإسراء والمعراج كانا مناما لا يقظة فكلمة «عبده» تدلّ على أنه كان بالروح والجسد معا رغم أنف المشككين فما ذلك على الله بعزيز.. ويؤكد هذا الرأي الراجح أن الآية بدأت بتسبيح الله أي بتنزيهه عن عجز ونقص لا يليقان بذاته المقدسة فهو سبحانه وتعالى قادر على أن يأتي بما لم يتخيّله عقل بشر.

وأكد د. عطية أن العبرة من الإسراء والمعراج تتمثل في دروس مهمة منها أن الذي أسرى برسوله  صلى الله عليه وسلم قادر على أن ينصر أمته بين غمضة عين وانتباهتها إذا سبّحته حق التسبيح وعرفت له قدره تعالى وعملت بكتابه وسنّة رسوله ومنها أن المشاهد التي رآها صلى الله عليه وسلم إنما هي حق تجعلنا نعيد حساباتنا ونمضي على سنّته المطهرة غير مرتكبين بجرائم تؤدي إلى النار فيتعاون المجتمع المسلم على البر والتقوى فقد رأى الرسول  صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج مكتوبا على باب الجنة «الحسنة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر جزءا» فما قال له الصحابة رضوان الله عليهم: كيف يكون القرض أكثر من الصدقة مع أنه يرجع.. فقال عليه الصلاة والسلام: لأن السائل يسأل وهو عنده أما المقترض فلا يقترض إلا عن حاجة..

ما أكثر الذين هم في حاجة إلى صدقة وإلى قرض حسن في مجتمع المسلمين خصوصا الذين تحت الاحتلال والهيمنة المادية الشرسة التي تهددهم دما ومالا وعرضا وأماكن يعزّ علينا جميعا أن تصرخ فينا وما لها من مجيب وعلى رأسها الأقصى مسرى سيدنا رسول الله  صلى الله عليه وسلم الذي بارك الله حوله وصلّى فيه عليه الصلاة والسلام بجمع من النبيين.