بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 حزيران 2019 12:02ص علو على الخلق... ذلّ بين يديّ الخالق

حجم الخط
في جلسة بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام قال لهم واعظا ومرشدا: «استحيوا من الله حق الحياء»... قالوا: يا رسول الله إنا لنستحي والحمد لله... قال صلوات الله وسلامه عليه: من استحيا من الله حق الحياء، فليحفظ البطن وما حَوَى، وليحفظ الرأس وما وعى، وليذكر الموت والبلى، ومن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء...».

وإذا كان النبي محمدا صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم، وهو إمام الفصاحة والبلاغة، فان كلماته المعدودة عن الحياء قمّة في التعبير، وسعة في التوجيه والاعداد في ميادين الأخلاق والسلوك، لأن من مارس الحياء مع الله كان رائعا في سلوكه وأخلاقه مع الناس من حوله.

وأولى وصايا الحياء مع الله تعالى هي أن يحفظ الإنسان البطن وما حَوَى، وذلك بأن يكون الكسب حلالا.. والرزق حلالا.. وأن لا يدخل بطنه وجوفه إلا الطعام الحلال.

لا ياكل أموال الناس بالباطل، ولا يتجاوز حدوده في التعاطي المادي مع الناس، المسؤول يمارس مسؤوليته بأمانة، والموظف يقوم بما أوكل إليه بمصداقية، والصانع والمزارع لا يلجآن الى الغش، والتاجر والبائع يقتنعان بالربح القليل ولا يسرقان الناس، وصاحب المال لا يرابي، والعامل يقوم بعمله بمصداقية ويتقنه وينجز ما هو مطلوب منه... وإذا ما استقام هؤلاء فأنهم يدخلون الى جوفهم وجوف من يعيلون رزقا حلالا طيبا.

وثاني وصايا النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الحياء هي أن يحفظ الرأس وما وعى بالحفاظ على العقل السليم، فلا يفكر إلا بما يرضي الله، ولا يقول ما يغضب الله، لأن الرأس فيه العقل وهو الآمر الناهي يأمر بمعروف وينهى عن منكر وهو ان فعل فقد استحيا من الله.

لا يتعاطى المخدرات والمسكرات فيجعل العقل غائبا معطّلا... يمارس التعلّم والقراءة لتتوسّع مداركه، ويتزوّد باستمرار بما ينمّي هذه المدارك لأنه كلما إزداد علما إزداد علما بجهله. ويحافظ على الفطرة السليمة التي فطره الله عليها، وفطرة الله هي الاعتقاد بالوحدانية وحب الحلال واجتناب الحرام.

وثالث الوصايا هي تذكار الموت والبلى، وهي أعلى مراتب السلوك الاجتماعي، لأن الإنسان هذا المخلوق البالغ التعقيد في تكوينه بجسده وعقله وأعضائه، وبما ملكّه الله الخالق المبدع من إمكانيات وقدرات يخرق بها الأرض ويبلغ بها الجبال والسماء يجب عليه أن يتذكر الموت والفناء.

اكسب أيها الإنسان من رزق الله لينمو جسدك، وتعلّم وتثقّف لينمو عقلك، اعتل سلم المناصب والمراكز وتسلّط على رقاب الناس، اكسب المال واجمع كنوز الأرض، امتلك العقارات والسيارات واليخوت، استخدم الناس ليخدموك، مهما فعلت وكسبت وتعاليت في الأرض فان الموت ملاقيك، والبلى هو مصيرك المحتوم لن يكتب لك الخلد أبدا فلا تنس التواضع مع الخالق ومع الناس.

الحياء مع الله هو متعة الحياة على الأرض فلا تضيّعوا هذه المتعة...