بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 تشرين الثاني 2023 12:00ص فلسطين لا تعنينا..؟!

فلسطين قضيتنا فلسطين قضيتنا
حجم الخط
ماذا يعني أن يخرج مواطن عربي أو مسلم عبر وسائل الإعلام أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليقول بالفم الملآن أن فلسطين قضية خاصة بالفلسطينيين وأنها لا تمثّل له شيئا..؟!
وما دلالة أن تخرج هذه الكلمات من إنسان ولد وعاش وتربّيَ في بلد عربي أو مسلم، وعايش في مختلف فترات عمره الجرائم وحروب الإبادة التي ارتكبها العدو الصهيوني بحق العرب; مسلمين ومسيحيين..؟!
أسئلة كثيرة دارت في رأسي وأنا - بكل أسف - أرى نماذج بشرية تتفوّه بهذه الترّهات عبر مختلف وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي، بل إن البعض منهم تمادى حتى اعتبر مجرّد المناصرة القلبية نوع من الخيانة الوطنية..؟!
لن أبحث في ابتعاد هذا الإنسان عن حقيقة فهم دينه - مسيحيا كان أو مسلما -..؟!
ولن أبحث في تخلّيه عن إنسانيته ووطنيته وقضيته..؟!
ولكن أريد البحث في دلالات هذه الظاهرة الغريبة التي بدأنا نراها والتي بكل وضوح هي ظاهرة تعبّر عن الكثير والكثير..
إن من يقتنع فعلا أن فلسطين قضية خاصة بأهل فلسطين ولا شأن للعرب ولا المسلمين بها هو شخص يعاني من انعدام في الهوية الوطنية، ومن فقدان للشخصية الفكرية، ومن انسلاخ عن الجذور التاريخية لبلده وأهله وشعبه.

عبارة إبليسية

هذه العبارة الإبليسية.. هي في حقيقتها دلالة واضحة على مدى تغلغل الأفكار الدخيلة في نفوس هؤلاء، وهي دلالة على تلصّص المفاهيم المقلوبة التي ترسخ التفكك والإنفصال الثقافي والجغرافي والفكري والوطني بين شعوب المنطقة كلها.
بل لا أبالغ إن قلت أن من يقول (فلسطين لا تعنيني) هو يعاني من حالة «موت سريري» لإنسانيته بكل أبعادها..؟!
والمبكي... أن هذا المتحدث نفسه تراه عن كل حدث، محلي أو إقليمي أو عالمي، يتشدق بحرية الإنسان وحقه في الحياة بكرامة وبإنسانية، ليظهر لنا جليّاً مدى تطوّر حالة الانفصام التي يعاني منها..؟!
(فلسطين لا تعنينا).. عبارة تحمل في طيّاتها أطنان من الكوارث الدينية والفكرية والوطنية والإنسانية والأخلاقية التي استقرّت في صدور من يتلفظ بها.
كوارث دينية.. ضربت بالنصوص الصريحة التي تشير إلى الأقصى وكنيسة القيامة عرض الحائط..
وكوارث أخلاقية تغاضت عن كل القِيَم والمُثل والمبادئ الأخلاقية التي تغتال في أرض فلسطين المحتلة..
وكوارث إنسانية... أعمت الأبصار عن جرائم قتل الأطفال والنساء والعجّز، وعن تهديم المدارس والمساجد والكنائس والمستشفيات، وعن العبث بجثث الشهداء، وعن منع كل مقومات الحياة عن أهل فلسطين..
فبأي فكر وأي منطق وأي عقل وأي دين يخرج أحدهم ليقول (فلسطين لا تعنينا)..؟!
ثم.. أليس في هذه (العبارة الشيطانية) إعانة للعدو على أهلنا في فلسطين؟..
أليس فيها تخلٍّ عن نصرة القضية؟..
بل أليس فيها تقديم المبررات لقتل أهلنا في فلسطين؟..
أليس فيها تعارضا مع كل التعاليم الدينية والوطنية التي تدعونا لنكون صفا واحدا مع أهلنا في هذه الأرض المباركة؟!..
ومع مرور الأيام واتساع دائرة (الجهل الإنساني) عند هؤلاء، بدأنا نستشفّ من كلامهم نوعا من اللوم الذي يُلقى على (الضحية..!؟) وبأنه هو الذي تسبّب في قتل نفسه.. وفي أذيّة أهله.. وفي تهديم بيته.. وفي الإضرار ببلده..؟!
ويا ليت الأمر توقف عند هذا الحد..؟!
بل إننا وفي (أيامنا النحسات) بدأنا نسمع أصواتا تخرج علينا (بكل نشاز) لتقول أن أهلنا، في فلسطين ومن يناصرهم، المعتدون الذين بدأوا بالعدوان على العدو الصهيوني، وهم الذين تسببوا في قتل جنود الاحتلال، وبالتالي هذا الجيش يدافع عن نفسه..؟!
بالله عليكم هل رأيتم أو سمعتم أقبح من هؤلاء..؟!
هل سمع هؤلاء بمجزرة دير ياسين.. أو مجزرة اللد.. أو مجزرة خان يونس... أو مجزرة حي الشجاعية... أو مؤخرا مجزرة مستشفى المعمداني ومجزرة مدرسة الفاخورة وتل الزعتر..؟!
هل سمعوا بمحمد الدرة وما قبله وما بعده من الأطفال الشهداء الذي قُتلوا على مرأى ومسمع من العالم..؟!
الحقيقة هي أن آذانهم وعيونهم وفكرهم بل وجهدهم.. موجّه باتجاه واحد.. وللأسف هو الاتجاه الخاطئ..؟!
إن فلسطين بكل شبر من أراضيها - أيها المتنكرون لأصالتكم - بكل أبعادها هي التي ذكرت في القرآن بأنها أرض مباركة وذكر معها المسجد الأقصى...
وهي التي جاء وصفها في الإنجيل وفي أرضها كنيسة القيامة..
هي الأرض التي تُسقى بدماء الشرفاء منذ ما يقارب قرن من الزمان..
ولكن يبدو أن دماءكم - ودماء أمثالكم - ليست من فصيلة قابلة لري الأرض المباركة.. 
ولذلك ما زلتم رغم كل ما حدث تقولون - بكل قبح - (فلسطين لا تعنينا)..؟!

bahaasalam@yahoo.com