بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 كانون الأول 2023 12:00ص في خضم العدوان على غزة وأهلها.. لكل محايد نقول: صوتك لا صوت له..؟!

حجم الخط
مستفزّة جدا تلك الأصوات التي تظهر في أشدّ أوقات المحن والأزمات لتقول بكل «جرأة..!!» أنها حيادية.. وأنها لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء..!!
حتى يكاد الإنسان أن يشعر وكأنها كائنات فضائية طارئة على المجتمع البشري... لا دور لها ولا أثر ولا عمل في أي قضية من قضايا الأمة..!؟
أنها أصوات «لا صوت لها»... تطفو على الساحة عند كل شدّة أو أزمة، لتعلن - ويا للأسف - بكل فخر أنها تقف «ما بين البَيْنين»، والأنكى أنها تصوّر جمودها موقفا متقدّما لا بد أن تُحمد عليه وتُشكر..؟!
ماذا يعني أن تقف على الحياد... وما مفهومنا للحياد..؟!
إن الحياد - مهما اختلفت تسمياته - لم يرد في نصوصنا الإسلامية إلّا كصفة معيبة منبوذة لا ينبغي لمؤمن عرف ربه ودينه أنت يتصف بها أيا كانت الأسباب، لأن هذه الرذيلة في حقيقتها تعني أن هذا «الحيادي» مخلوق سلبي لم ينفعل مع حركة المجتمع من حوله ولم يدرك حسن الدور الإيماني والإنساني في حياة الأمة فتحوّل إلى «دخيل سلبي»، ينمو هنا وهناك، وفي الوقت عينه لم يعترف به طرف من الأطراف.
فكيف إن كانت القضية جوهرية ورئيسية كقضية فلسطين..؟!
كيف إن كانت المسألة تتعلق بقتل الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ والرجال..؟!
وكيف إن كانت قضية تمارس فيها كل أنواع التوحش البشري وكل أصناف الجرائم..؟!
بل كيف وإن كانت تتعلق بمصير وجوديّ، يُفترض أن يكون في قلب وفي فكر وفي إيمان وفي إنسانية أي مخلوق على وجه الأرض..؟!
نعم... في حياتنا البشرية ليس هناك حياد، لأن الحياد يعني أن يكون الإنسان بلا موقف، وبلا لون، وبلا رأي، وبلا أثر، وبلا فكر، وبلا عمل، وبالتالي هو «إمعة» إن لم تحركه الرياح غصباً عنه، ظل في مكانه حتى يرحل، بل وأيضا عند موته.. لن يشعر به أحد..؟!
والإنسان الحق ليس أبدا من هذا الصنف المقيت، بل هو دوما مع الحق ضد الباطل، ومع الخير ضد الشر، ومع العلم ضد الجهل، ومع العدل ضد الظلم، ومع الحرية ضد «الفرعنة»، وطبعا مع الفكر ضد «الإمعية»، ومع الموت بكرامة ضد الحياة بالذلّ، وصدق الله العظيم إذ قال {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً}.

وهمٌ غير بريء

ونقول أن ظهور أصوات (حيادية) فيما يتعلق بمسألة غزة، هي بلاء بكل ما للكلمة من معنى، وهي كارثة فكرية وثقافية وإنسانية لا يمكن قبولها أو الاعتراف بها.
والأنكى أننا نرى هذه الأصوات (الحيادية..؟!)، تصدر من أشخاص مسلمين، غافلين عن أن المسلم الحق على مدى التاريخ كله، كان إنسانا متعلّما وعاملا ومجاهدا ومشاركا في بناء الحضارة والمجتمعات، لا تسكن همّته ولا تفتر أعماله أبدا، بل هو في سعي دائما لنصرة الحق طالما الروح في جسده.
إن الحيادية في حياتنا أيها المخدوعون - حتى لا نكتب كلمة أخرى - هي وهمٌ كبير، لا يتبعه إلّا الواهمون، والمشكلة أن لهذا الوهم دعاة صوّروه في عقول الكثيرين وثناً ضخماً ولكنه جميل التقاسيم وحلو الملامح... ولذا راحوا يغازلونه بين أتباعهم مرددين كأسيادهم الجاهليين (أعلُ حياد)..!!
بل إني أسمح لنفسي أن أقول بكل أريحية، أن الحيادية في زمن الأزمات أيها السادة خيانة لا يستلذ الاكتواء بنارها إلّا صنفان..
الأول.. جاهل لم يعرف حقيقة إيمانه ولا دوره ولا عمله في هذه الحياة، ولذا أصبح صفرا على اليسار... مهما كثرت أقواله وتصريحاته... فلا قيمة لها..؟!
والثاني.. مستفيد باع نفسه «لمستفيد أكبر» وسعى لتنمية مصلحته الخاصة على حساب مصلحة الجاهلين الذين كلما تضاعفوا... تضاعفت غنائمه...؟!
وفي الختام .. نقول والله الشاهد على أننا قد بلّغنا... 
فنقف جميعا مع الحق بوجه الباطل، ومع العدل بوجه الظلم، ومع الخير بوجه الشر، وإن لم تستطيعوا.. فكما قال الشيخ الشعراوي... على الأقل لا تصفّقوا للباطل...؟!

bahaasalam@yahoo.com