فرض وباء الكورونا على الناس الحجر الإلزامي في بيوتهم حيث يقطنون، وقاية لهم من إلتقاط العدوى فيمرضون... وترتّب على ذلك ضائقة مالية واقتصادية تخنق رقاب كثير من الأسر وبخاصة تلك الأسر المتعففة التي لا تسأل الناس إلحافا...
وهذا الواقع الأليم ناء بكلكله على الرقاب فأنهكها... وحشر النفوس في زاوية القهر فأذلّها... وهو يهدّد رؤوسا شامخة لكسر بأسها وعنفوانها... فالفقر يجلد أهل الحاجة ويكاد يخرجهم من الحلم الذي تحصّنوا به.. ولو كان الفقر رجلا لقتله خليفة المسلمين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه.
والأمر على ما هو عليه، يحتاج إلى أكثر من مبادرة... الى تكافل يبلسم الجراح... إلى زكاة تنفق على مستحقيها - وهم كثر - إلى استرداد للأموال المنهوبة واستخراجها قهرا من حساباتها المصرفية وانفاقها على المواطنين... يحتاج الموقف إلى تقوى الله القاهر، القادر على دحرجة الرؤوس من على أكتاف أربابها.. وهم إن فعلوا... وبادروا وتابوا سيجعل لهم الرحمن ودّا... {ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً}.
كان الخليفة أبو بكر رضي الله عنه إذا صلّّى الفجر خرج الى الصحراء فاحتبس فيها شيئاً يسيراً ثم عاد الى المدينة... فعجب عمر رضي الله عنه من خروجه، فتبعه يوماً خفيةً بعدما صلّى الفجر... فإذا أبو بكر يخرج من المدينة ويأتي خيمة قديمة في الصحراء، فاختبأ له عمر خلف صخرة... فلبث أبو بكر في الخيمة شيئا يسيرا ثم خرج، فخرج عمر من وراء صخرته ودخل الخيمة فإذا فيها امرأة ضعيفة عمياء وعندها صبيه صغار، فسألها عمر: من هذا الذي يأتيكم؟... فقالت: لا أعرفه.. هذا رجل من المسلمين يأتينا كل صباح منذ كذا وكذا.. قال: فماذا يفعل؟ قالت: يكنّس بيتنا ويعجن عجيننا ويحلب داجننا ثم يخرج.. فخرج عمر وهو يقول: لقد أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر... لقد أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر...
وكان علي بن الحسين رضي الله عنهما يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدّق بها.. ويقول: ان صدقة السر تطفئ غضب الرب... فلما مات وجدوا في ظهره آثار سواد.. فقالوا: هذا ظهر حمّال، وما علمناه اشتغل حمّالاً.. فانقطع الطعام عن مائة بيت في المدينة، من بيوت الأرامل والايتام، كان يأتيهم طعامهم بالليل لا يدرون من يحضره إليهم، فعلموا انه هو الذي كان يحمل الطعام الى بيوتهم بالليل وينفق عليهم.. اللهم ارزقنا جميعا فعل الخيرات.