كُثر الحديث عن مصير موسم الحج، في ضوء إجراءات السعودية الاحترازية بتعليق الدخول إلى المملكة لأداء العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف مؤقتا، على خلفية تفشّي فيروس كورونا بعدة مناطق.
ومؤخرا.. لفتت إدارة الملك عبد العزيز على موقعها في الإنترنت في أكتوبر من عام 2018 إلى أن علماء المسلمين، أكدوا عدم جواز تعطيل الفريضة إلا بموجب أسباب كبرى بينها انتشار الأوبئة، مذكّرة في منشور قبل نحو عام ونصف العام إلى أن الحج توقف على مرّ التاريخ 40 مرة، وفق المؤرّخين، لأسباب متنوّعة منها، انتشار الأمراض والأوبئة، الاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار الأمني، الغلاء الشديد والاضطراب الاقتصادي، غياب الأمن بسبب اللصوص وقطاع الطرق.
مجلس حكماء المسلمين
{ بداية أشاد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين بقرار المملكة العربية السعودية وقف منح تأشيرات العمرة مؤقتا كإجراء احترازي للحد من انتشار فيروس كورونا الجديد.
وأكد فضيلته أن الإسلام حثّ على دفع الضرر وأمر باتخاذ كافة التدابير والاحتياطات لمنع انتشار الأمراض والأوبئة، وأن موقف المملكة العربية السعودية جائز ومشروع ومأجور، بل هو واجب شرعاً لحفظ النفس، الذي هو أحد مقاصد الشريعة الإسلامية وتدور حوله الأحكام الجزئية والفرعية حمايةً للناس والمجتمعات. وأشار إلى أن الأزهر إذ يؤيّد هذه الإجراءات الوقائية الاستباقية التي تتخذها المملكة لمنع تفشّي الأوبئة بين المسلمين الراغبين في أداء الشعائر الدينية، فإنه يدعو الجميع إلى توخي الحذر واتباع التعليمات الوقائية التي أعلنتها منظمة الصحة ووزارات الصحة في كل دول العالم، مؤكدا على أن الحفاظ على صحة الناس ومنع تفشّي هذا الوباء مسؤولية وضرورة دينية لا يجوز التهاون فيها، مشيدا بجهود المملكة العربية السعودية الكبيرة في خدمة ضيوف الرحمن من حجاج ومعتمرين.
مجمع الفقه الإسلامي
{ وأيضا نوّه مجمع الفقه الإسلامي الدولي بالإجراءات الاستباقية والاحترازية التي أعلنت عنها المملكة العربية السعودية بخصوص فيروس كورونا حمايةً لأبناء الوطن والمقيمين والمسلمين جميعا.
وقال المجمع، في بيان: إن هذا القرار المؤقت يهدف إلى حماية المعتمرين والراغبين في زيارة المسجد النبوي الشريف والمواطنين جميعا من التعرّض للعدوى من هذا الفيروس الذي بدأ ينتشر في عدد من الدول العربية والإسلامية. وبيّن المجمع أن الإجراءات الوقائية التي اتخذتها المملكة العربية السعودية يؤيدها ما اسْتقرَّ في شرع الله سبحانه وتعالى وتدعو إليه مقاصد الشريعة التي تحرص على منع كل ما يؤدي إلى العدوى بالأمراض السارية والإضرار بالناس، حيث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (فِرَّ من المَجْذومِ كما تفرُّ من الأسدِ)، وقوله: (إذا سمعتم بالطاعونِ بأرضٍ فلا تدخلوها، وإذا وقعَ بأرضٍ وأنتم فيها فلا تَخرجوا منها)، وأكد هذا المعنى أيضاً ما ورد في الحديث الصحيح من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍّ)، ودعا إلى الالتزام بالتعليمات التي تصدرها المملكة والحرص على تنفيذها.
الإفتاء المصرية والأوقاف
{ أما الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف المصري فقال في بيان له أن تعليق المملكة العربية السعودية المؤقت لمنح تأشيرات العمرة وزيارة الحرم النبوي الشريف يندرج تحت قاعدة (درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة)، وهذا له ما يبرره من مشروعية الحفاظ على الأرواح، ودفع ما يعرّضها للخطر المحقق أو الغالب على الظن.
وزير الأوقاف المصري د. محمد مختار جمعة
وأَضاف: إن قرار المملكة العربية السعودية بوقف رحلات العمرة، والزيارة إلى أراضيها منعا لتفشّي فيروس كورونا، يعتبر قرارا شجاعا وجريئا وكان لا بد منه وله أصوله الشرعية كإجراء احترازي مؤقت يهدف للإسهام في كبح جماح انتشار فيروس كورونا، وهو طبعا سيخضع لإعادة التقييم المستمر ولا سيما أنّ الجميع يعلم أنّ الأماكن الأكثر ازدحاما أكثر عرضة لانتشار الفيروس وفق ما تؤكده تقارير منظمة الصحة العالمية.
أما دار الإفتاء المصرية فأصدرت بيانا أكدت فيه على إنّ قرار السعودية بالتعليق المؤقت لمنح تأشيرات العمرة وزيارة الحرم النبوي الشريف لمواجهة انتشار فيروس كورونا، يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية للحفاظ على أرواح وسلامة المعتمرين وضيوف الرحمن، مشيدة بجهود المملكة العربية السعودية، في خدمة ضيوف الرحمن الذين يفدون إلى الأراضي المقدسة لأداء مناسك الحج والعمرة، مشيرة إلى أنّ سلطات المملكة لا تدخر جهدا في توفير سبل الراحة وتذليل الصعاب التي تواجه ضيوف الرحمن.
وقالت الدار: «نؤيّد وندعم بكل قوة مواقف المملكة وحرصها الشديد على أمن واستقرار المشاعر الدينية، وكل ما تتخذه من إجراءات لضمان تحقيق ذلك، وسعيها الدؤوب للحفاظ على أرواح المعتمرين وضيوف الرحمن»، داعية جميع دول العالم إلى التعاون والتكاتف التام لمواجهة هذا الوباء الخطير، والعمل على مواجهته في أسرع وقت ممكن، وتوجهت بالدعاء إلى المولى عزّ وجلّ أن يحفظ البلاد والعباد وأن تنعم البشرية جمعاء بالأمن والسلام والاستقرار.
كريمة
{ أما الشيخ د. أحمد كريمة أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر فقال أن المسألة تحتاج لفتوى جماعية ولا فردية لأن الأمر يهم الأمة الإسلامية كلها، فلا يمكننا التعامل مع مثل هذا الموقف بفتاوي فردية لأننا في تلك الحالة سوف نفاجأ بالفتوى وعكسها، فنجد عالماً هنا يجيز منع الحج هذا العام وآخر لا يجيزه، مبيّناً أنه لا مجال للفتوى الفردية حول حكم الذهاب لأداء مناسك الحج من عدمه إذا استشرى فيروس كورونا، وأصبح هناك خوف من انتشاره في موسم الحج أو حتى مواسم العمرة خاصة، ونحن مقبلون على موسم عمرة رمضان وازدحام الأراضي المقدسة بمئات الآلاف من المعتمرين في وقت واحد. وأضاف: إن التعامل مع الفيروس في ظل انتشاره المحدود يجيز شرعاً أن تقوم السلطات الحكومية في دول العالم الإسلامي بوضع محاذير لسفر الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس، مثل الأطفال وكبار السن والمرضى بأمراض الجهاز التنفسي.
مهنى
{ من جانبه قال د. محمود مهنى - عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر - إن الفيروس لم يصل لمرحلة الوباء حتى هذه اللحظة بشهادة منظمة الصحة العالمية، ولهذا يجوز الاكتفاء بوضع محاذير خاصة تمنع زيارة الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس. وتابع: أما إذا زادت حدّة المرض وأصبح وباء... فهنا نطبق حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: «إذا نزل طاعون في بلد أنتم خارجون منها فلا تدخلوها، ومن كان فيها فلا يخرج منها»، مشيراً إلى أن الحديث حدّد مبادئ الحجر الصحي كأوضح ما يكون التحديد، فهي تمنع الناس من الدخول إلى البلد المصاب بالطاعون، كما أنها تمنع أهل تلك البلدة من الخروج منها، ولهذا فإنه لا حرج شرعاً في اتخاذ أي إجراءات للحفاظ على أرواح الحجيج حتى إذا وصل الأمر لتأجيل الحج شريطة ألا يتم ذلك إلا في حال استمرار الفيروس واستفحاله بدرجة يصعب السيطرة عليها والطب هنا هو الذي يحدد خطورة الفيروس والفئات التي يجب الحذر من سفرها سواء للحج أو للعمرة. واختتم بالقول: لا حرج في تأجيل الحج والعمرة، مؤكدا أنه بالنسبة للعمرة، فإنها غير مخصوصة بزمن معين، فالإنسان يؤدّيها، سواء في رمضان، أو شوال، أو ذي الحجة. وإن كان الإنسان متيقناً أن هذا المرض خطير فلا حرج في تأجيلها، والمسلم مطالب بأن يتوخى الحرص على حياته وحياة الآخرين، فلا حرج من تأجيل الحج لأنه لا ضرر ولا ضرار، ودفع المضرّة أولى من جلب المصلحة.
أبو طالب
{ أما د. حامد أبو طالب العميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون بالأزهر وعضو هيئة كبار العلماء فأكد على أن موسم الحج لا يجوز إلغاؤه، لأنه فريضة وركن أساسي من أركان الإسلام والقارئ للتاريخ الإسلامي سيجد أن فريضة الحج لم يتم تعطيلها منذ صدر الإسلام، ورغم مرور أحداث جسام على الأمة الإسلامية لم يتم منع الحج أبدا ولكن من الممكن تقليل عدد الحجاج ومنع الأشخاص الذين لديهم احتمالات كبيرة، للإصابة بالمرض من الحج هذا العام، وبهذا لا يتوجه للحج إلا الأصحاء الذين لديهم القدرة الصحية على مواجهة المرض، فالحج واجب على من لديه الاستطاعة، وفي حالة وجود احتمال بتعرّض الحاج لمرض فتّاك، مثل الكورونا تسقط الاستطاعة، وبالتالي يجوز للمسلم تأجيل الحج، وكذلك يجوز للدولة أن تضع الضوابط المنظمة لذلك.
مواسم تعطّل فيها الحج
{ وترصد كتب التاريخ الإسلامي 40 مرة توقف فيها موسم الحج منذ أن فرضت فريضة الحج في العام التاسع للهجرة الموافق 631 ميلادية.
أول هذه المواسم التي تعطّل فيها الحج جزئيا أو كليا جرى في عام 940 ميلادية، وكان تعطّل موسم الحج بسبب هجوم القرامطة وسفكهم دماء حجاج بيت الله، واقتلاعهم بعد مذبحة رهيبة الحجر الأسود ونقله إلى مدينة «هجر» بالبحرين. وتبعا لذلك، تقول كتب التاريخ إن موسم الحج تعطّل بعد واقعة سرقة الحجر الأسود لعدة سنوات، يقال إنها بلغت 10 أعوام، لم تؤدّ فيها مناسك الحج. الموسم التالي الذي تعطّل فيه الحج جرى في عام 968 ميلادية، ويقول ابن كثير إن هذا الداء انتشر في مكة المكرمة «فمات به خلق كثير، وفيها ماتت جمال الحجيج فى الطريق من العطش ولم يصل منهم إلى مكة إلا القليل، بل مات أكثر من وصل منهم بعد الحج».
وسجلت كتب التاريخ أن المصريين في عام 1000 ميلادية انقطعوا عن الحج في عهد العزيز بالله الفاطمي بسبب شدّة الغلاء.
ويذكر المؤرّخون أن أهل المشرق ومصر لم يتمكنوا من أداء فريضة الحج في عام 1028 ميلادية. وتعطّل موسم الحج في عام 1030 ميلادية، حيث لم يؤدّ الفريضة إلا مجموعة من العراق. وانقطع أهل العراق وخراسان والشام ومصر عن الحج في موسم عام 1039 ميلادية. ويعزو المؤرّخون توقف موسم الحج في عام 1099 إلى اختلاف السلاطين قبل سقوط القدس في يد الصليبيين بخمس سنوات. ولم يتمكن المصريون من أداء فريضة الحج في عام 1168 بسبب حرب داخلية. وعقب ذلك ترصد كتب التاريخ، أن موسم الحج بين عامي 1256 إلى 1260 اقتصر على أهل الحجاز ولم يحج أحد من سائر الأمصار. أما آخر التواريخ التي تعطّل فيها الحج جزئيا أو كليا، فيعود إلى عام 1799، حيث توقفت قوافل الحجيج أثناء الحملة الفرنسية لانعدام الأمن على الطرقات.