بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 شباط 2018 12:05ص في ظل سيطرة عالم الانترنت والفضائيات على أخلاقيات المجتمع

دعوات لحسن تربية الاجيال والاقتداء بالنبي قولاً وعملاً ومنهجاً

حجم الخط
في الوقت الذي تزداد فيه الضغوط الحياتية والمعيشية على الشباب المسلم، نجد كثيرا منهم يسير خلف صيحات الموضة وأنماط السلوك الغريبة التي تتصادم مع العادات والتقاليد والأسس التي بنيت عليها المجتمعات، وقليل ما نجد من يكد ويتعب مما  يطرح سؤالا كبيرا حول كيفية تعزيز القيم والأخلاقيات لدى الشباب، وسبل مواجهة تيارات الانحلال والانحراف التي تستهدفهم..

القاضي الكردي
{ بداية أكد القاضي الشيخ أحمد درويش الكردي إن مرحلة الشباب هي أنضر وأبهى وأقوى المراحل التي يمر به الإنسان، وهو في جسم الأمة إكسير الحياة المتدفق الذي ترجو منه التجديد في كيانها والدفاع عن ماضيها وأصالتها وأرضها وأعراضها وأيضا الإعداد للمستقبل. إذن على الشباب مسؤوليات كثيرة وكبيرة  ولا بد لتنفيذها من أن يربوا على أسس إسلامية إيمانية نبوية شريفة وكريمة تجعلهم بحق أمل الغد. لذلك نجد النبي الكريم عليه الصلاة والسلام يقول: «اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك..»، أي أن يعرف الشاب ما هي قيمة وأهمية الشباب الحقيقية وما هو أثرها في المجتمع وفي كيان الأمة. ومن هنا نقول، لا يمكن للشاب أن يلهو في وقت الجد، وليس له أن يتقاعس عن مواجهة العظائم في الأزمات أو يتواكل ويتكاسل عن تأدية واجبه تجاه هذه الأمة التي هي وأرضها وأهلها وأطفالها أمانة في عنقه.
وأضاف: أما الشباب الذين يقولون أنهم يفتقدون للمثل الأعلى الذي يتمثلون به، فهذا الكلام هو فقط لمن بعد عن دينه ونسي فرائضه وواجباته، فتراه يتعلل بأعذار أقبح من ذنوبه لماذا؟ .. لأن الشاب المسلم هو ذلك الشاب الذي آمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد عليه الصلاة والسلام نبيا ورسولا، وكذلك بالقرآن الكريم كتابا مباركا أرسله الله تعالى دستورا لحياتنا، والقرآن الكريم يقول: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} ولكن لمن يقول تعالى: {لمن كان يرجو الله واليوم الآخر}، إذن الشباب المسلم يتخذ من رسول الله عليه الصلاة والسلام مثلا أعلى وأسوة حسنة، هذا أولا، فمن رحمة الله تعالى علينا أنه جعل في الأمة الإسلامية أمثلة عليا كثيرة يستطيع المسلم أن يتأسى بها؛ كيف..؟ لقد أمرنا الله تعالى أن نطيعه وأن نطيع رسوله الكريم  صلى الله عليه وسلم  فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم «لذلك نقول أن للمثل العليا مجالات واسعة يستطيع كل مسلم أن يأخذ منها بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وسير الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم نماذج عالية من علو الهمم والبذل والتضحية والأخلاق الإسلامية والمحاسبة النفس و... 
التقرب اليهم
{ بدورها طالبت الأخصائية الاجتماعية فاتن قازان انه لا بد أولا من تفهم طبيعة الشباب ومشكلاتهم، فهم لا يفكرون كما نفكر نحن وطموحاتهم بالطبع مختلفة عن طموحاتنا، كما كنا نحن مختلفين عن آبائنا، الزمن تغير والأوضاع تغيرت، ولا بد من التفرقة بين ما هو ثابت وما هو متغير. وقال: علينا أن نعترف أن هناك أزمة تعيشها المجتمعات العربية والإسلامية، أزمة قيم وأزمة ثقة بين الأجيال، وعدم وجود جسور للتواصل بينها، أما أن يمارس «البعض» دور «الوصاية» ويرفض المناقشة والاستماع للآخرين وبخاصة من الشباب، أو القطيعة والإهمال، وهو ما يؤدي إلى حدوث مشكلات كبيرة وفجوات لا بد من سدها.
وأشارت إلى ضرورة استيعاب الشباب، وفتح المجالات أمامهم للعمل والإبداع والقيادة وإبراز مواهبهم، لا الحجر عليهم وتنحيتهم جانبا، مشيرا إلى من يتولون عشرات المناصب ولا يعطون في اي منصب بالقطع، في حين نرى كفاءات شبابية لا تعطى الفرصة، فالقيم تكون في كل شيء ولا تتضخم في جانب وتنعدم في جانب اخر.
موضحة على أن الشباب الآن يمسكون بالتقنية في أيديهم ومنفتحون على العالم، ويتابعون أدق التفاصيل، ويتفاعلون مع بعضهم البعض عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي تعج بالأفكار والأطروحات والرؤى التي قد نوافق عليها أم لا نوافق عليها، ولكن لا احد يستطيع الحجر على الآخر أو المنع للأفكار فهذا زمن انتهى ولا اعتقد أن سيعود، ولكن ما نريده أن نعمل على تحصين هؤلاء الشباب وتعزيز منظومة القيم لديهم، لتكون حائط صد ضد هذه التيارات المختلفة التي تستهدف الشباب.
رسولنا والتعامل مع الشباب
إن الناظر بعين التدبر إلى عهد النبوة يجد أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قد رَبّى جيلاً مؤمناً و ملتزماً بمفاهيم وقيم الإسلام، وكان الغالب في هذا الجيل شريحةِ الشباب وذلك لأن  عادة ما يتفاعل الشباب مع كل جديد، وهم أكثر الناس تأثراً، وأسرعهم استجابة، وأشدهم تفاعلاً؛ بخلاف جيل الشيوخ الذين ـ في الغالب ـ ما يقفون حجر عثرة أمام أي تغيير أو إصلاح، وأشد الناس تمسكاً بالقديم، ورفضاً للحديث والجديد. ومن هنا كان للشباب دور رئيس في الالتفاف حول الرسول محمد  صلى الله عليه وسلم   ودعم ما جاء به والدعوة إليه والدفاع عنه وكان للنبي اهتمام خاص برعاية الشباب وتربيتهم وإعدادهم لتحمل المسؤوليات الكبيرة، فما هي القواعد التي ربى عليها النبي  صلى الله عليه وسلم ، شباب الجيل الأول؟ 
أولا .. التربية المتوازنة: فإن النبي  صلى الله عليه وسلم   رَبىَّ الشباب على التربية المتوازنة القائمة على الموازنة بين العاطفة والعقل، الروح والجسد، العلم والعمل. وهذا التوازن الدقيق هو المنهج السليم في التربية، بَيْدَ أن طغيان جانب على حساب الجانب الآخر، سيؤدي إلى خللٍ في بناء الذات، وانحراف عن منهج الإسلام.
وقد كان النبي  صلى الله عليه وسلم ، يقف ضد كل توجه غير صحيح، أو تفكير خاطئ، أو ممارسة سلبية؛ من ذلك ما روي عنه أنه قال:( إن لانفسكم عليكم حقا، فصوموا وافطروا، وقوموا وناموا، فإني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وآكل اللحم والدسم، وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني « وهكذا ربَّى النبي  صلى الله عليه وسلم ، أصحابه على التوازن بين متطلبات الجسم، ومستلزمات الروح، وفي هذا العصر حيث طغت المادية فيه على كل شئ يحتاج كل شاب أن ينتبه إلى ذاته وأن يسعى لتحصيل الكمالات الروحية، وهذا يتطلب مجاهدة النفس، والتدرب على ممارسة الرياضة الروحية، وترويض الذات على سلوك طريق الحق والخير والصلاح.
ثانيا.. الرفق بالشباب: فقد تعامل الرسول  صلى الله عليه وسلم  برفق مع الشباب، وهذا مما زاد في إعجاب الشباب بالنبي  صلى الله عليه وسلم   والتفافهم حوله، وقد مدح القرآن الكريم تعامل النبي  صلى الله عليه وسلم  مع الناس باللين والرفق، يقول تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.
وقد كان النبي  صلى الله عليه وسلم ، يحث على الرفق، فقد روي عنه  صلى الله عليه وسلم ، قوله: «إن الرفق لم يوضع على شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه « وعنه  صلى الله عليه وسلم ، أيضاً: « إياكم والتعمق في الدين، فإن الله قد جعله سهلاً، فخذوا منه ما تطيقون، فإن الله يحب ما دام من عمل صالح، وإن كان يسيراً». 
والمطلع على سيرة النبي  صلى الله عليه وسلم ، يجد الكثير من الأمثلة التي تدل على رفقه  صلى الله عليه وسلم ، بالشباب، منها: أنه كان إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه فإن كان غائبا دعا له، وإن كان شاهدا زاره، وإن كان مريضا عاده، ومنها أنه كان إذا حدث الحديث أو سئل عن الامر كرره ثلاثا ليفهم ويفهم عنه، ومن هذه النماذج يتضح لنا رفق رسول الله  صلى الله عليه وسلم  بالشباب وتعامله معهم بكل لطف وليونة، وهذا مايجب أن يتصف به الدعاة والعلماء والأهل إذا ما أرادوا استقطاب الشباب والتأثير فيهم، وكسبهم نحو التدين، ومنهج الإسلام.