بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 شباط 2021 12:01ص في ظل موجات التشاؤم المنتشرة في البلاد.. دعوات لتعميم التفاؤل والعمل على تحقيقه

حجم الخط
مرَّت مريم بنت عمران بموقف عصيب ومع ذلك قيل لها {كلي واشربي وقرّي عيناً}، فعلى الإنسان أن يعيش حياته على طبيعتها ولا يرهق نفسه بالتفكير، فالله عنده حسن التدبير، ولنتذكّر قول الله سبحانه وتعالى لعباده {ولا تقنطوا}، ولنتذكّر قول يعقوب لأولاده {لا تيأسوا}، وقول يوسف لأخيه {لا تيأس}، وقول شعيب لموسى {لا تخف}، وقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأبي بكر {لا تحزن}.

فنشر الطمأنينة في النفوس في ساعات القلق منهج إلهي نبوي.

فلننشر الطمأنينة والثقة بالله، فلا بدّ من فرج قريب، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {وفي السماء رزقكم وما توعدون} وتوكّلوا على الله في كل الأمور..

كيف ننشر هذه الطمأنينة في النفوس في ظل الأوضاع الصعبة التي نعيشها في مجتمعنا؟...

هذا ما سنعرفه في تحقيقنا الآتي..

البابا


الشيخ أحمد البابا

بداية، قال رئيس مركز الفاروق الإسلامي الشيخ أحمد البابا: ان الله سبحانه وتعالى ينعم على المؤمنين بنعم لا تُعدّ ولا تحصى، ومن أهم النعم التي يكرم الله بها المقرّبين أن ينزل عليهم نعمة اليقين والطمأنينة ويملئ قلوبهم سكينة وخصوصاً عند نزول البلاء وكثرة الوباء وتغلّب الأعباء، فالله سبحانه وتعالى يغشاهم بنعمة التوكل عليه فيرجون رحمته وتمتلئ قلوبهم باليقين بالله سبحانه وتعالى لعلمهم بأن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم وما أخطأهم لن يكن ليصيبهم.

فيدخلهم الله تعالى بنعمة الاعتصام به إلى فضل عظيم وينعمهم بفردوس الرحماء وطلب الرحمة من الله سبحانه وتعالى فيأملون ويطمأنون، ويعلمون ان الله منهم قريب فيرجونه ويتحلّون بالسكينة العظمى فيهديهم الله تعالى إلى الالتجاء إليه، والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى طاقة عظيمة تؤهّل الإنسان للعروج إلى مقامات القُرب من المولى عزّ وجلّ.

وتابع: فإذا كان من الإنسان التوكل الصحيح أصبحت له طاقة لا منتهى لإبعاد نفوذها وآمال اقتدارها، فالقلب العارم بهذه الطاقة تكاد نبضاته تتحوّل إلى سكينة إلهية عظيمة، فعندما خاطب الله عباده قائلاًِ: {وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين}.

فالتوكل الحق زخر وكنز عظيم ومنبع قوة لا نظير لها، فتفويض الأمر للّه وحسن التوكل عليه ودوام اللجوء إليه يجعل الإنسان قوياً يغالب المصائب ويقوى على المتاعب، ان علاقة المؤمن بالله ثابتة راسخة تجعله يتفاعل بحاضره ومستقبله ولا تهتزّ هذه العلاقة إلا إذا ضعف الإيمان فيقع الإنسان في الهلع وينشر الرعب لمن حوله ويعيش الهواجس وتميته الكوابيس ويقلق في ليله ونهاره، فلا تغمض عيناه ويقبع من الليل والنهار خائفاً يترقّب، وهذا الجزع تعبير عن سلبية العلاقة التي اهتزّت مع الله سبحانه وتعالى.

وتابع قائلاً: فالبلاء الذي ينزل بالناس في هذه الأيام، في أنفسهم وفي أهلهم أو في أموالهم، امتحان عظيم من الله سبحانه وتعالى ليختبر الله تعالى صدق عبادتهم، فلا ينبغي أبداً أن تهزّ المحن علاقة العبادة برب العالمين، بل يأخذهم حسن الظن به إلى ترقّب الفرج وتحمّل المشاق وانتظار النعمة الكامنة في القريب العاجل.

ان الله سبحانه وتعالى بحكمته يريد أن يجعل للمؤمنين علاقة وثيقة تظهر بأبهى صورها في هذه الأيام فتكسوهم فضيلة الرضى ومقام الصبر على البلاء المتفشي ويزدادون قرباً من الله سبحانه وتعالى كما كان يقول رسول الله  صلى الله عليه وسلم «ان لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي»، ثم يقول من فوره «لكن عافيتك أوسع لي». والمؤمن دائما يعيش على الرجاء ولا تهزّه المحن ولا يقع في التشاؤم بل يلتجأ إلى الله ويتضرّع سؤال العاجل وهذا من أعظم التقى الذي يجلب الثواب ويعجّل بالنعيم.

مزوق


الشيخ وسيم مزوق

وفي هذا الإطار يقول رئيس دائرة الفتاوى في دار الفتوى الشيخ وسيم مزوق: يقول ربنا سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {لا تقنطوا من رحمة الله}، فالإنسان المسلم أمام هذه الظروف المعيشية والاجتماعية والاقتصادية والطبية الصعبة التي لا تخفى على أحد يبقى دائماً متفائلاً محسناً الظن بربه سبحانه وتعالى، ولا ييأس ولا يقنط من رحمة الله. فالابتلاء لا يأتي عقوبة فقط، كما يظن البعض، بل يأتي تكفيراً للسيئات ورفعاً للدرجات، والمؤمن يعلم أن الله هو الشافي، ويعلم ان الله هو الرازق، قال تعالى: {قل اللهم مالك الملك تأتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء}.

وتابع قائلاً: فالمؤمن يقينه بربه سبحانه وتعالى مهما اشتدّت الأزمات يعلم انه سيأتي يوم ويفرج الله عنا ما نحن فيه، وإذا رجعنا إلى سيرة رسول الله  صلى الله عليه وسلم، نتعلّم هذا الأمن حيث حوصر  صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم ثلاث سنوات حتى أكلوا أوراق الشجر، لكن بصبرهم وتفاؤلهم وتوكلهم على رب العزّة فرّج الله عنهم وهاجروا بعد ذلك وأسسوا دولة وحضارة بل أمة وانتشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها.

وتساءل: هل ييأس المسلم بعد ذلك عندما يرى انه مؤيّد من الله؟ ولكن ان التزم بشرع الله وبحدود الله فلم يتأفف ولم يعترض على قضاء الله وقدره.

ونصح الجميع أن يكثروا من الدعاء مع الأخذ بالأسباب حتى يفرج الله عنا ما نحن فيه، فقد كان من دعاء رسول الله  صلى الله عليه وسلم «اللهم إنّا نعوذ بك من البرص والجنون والجذام ومن سيّئ الأسقام»، وعلينا أن نكثر بالاستغفار وسيفرج الله عنا كل همّ ويجعل لنا من كل ضيق مخرجاً.

وتابع قائلاً: المسلم اليوم عليه أن يكون سفيراً ورسولاً للخير والطمأنينة والسكينة والأمان، لأن من يشاهد نشرات الأخبار أو من يتابع الرسائل التي ترسل بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي يراها بمعظمها تنشر الخوف والقلق فيقول الإنسان إما سأموت بالكورونا أو سأموت بالفقر، فالمسلم عليه أولاً أن لا يصدّق هذه الرسائل ويتحرّى صدقها، وعليه أن لا يبالغ بموضوع الرسالة وحبذا أو يتبعها برسالة أخرى فيها الأمل لأن الألم والأمل نفس الحروف ولكن نقدّم حرفاً على حرف، فنبدّل الألم بالأمل، وهذه الرسالة التي نتبعها نستطيع أن نتذكّر فيها آية كريمة أو حديث نبوي أو ربما صوتاً لعالم جليل عبر الـ «واتس آب» وبذلك نعلّق قلوب النّاس بربهم سبحانه وتعالى، وإذا كان الإنسان ليس لديه علم بذلك فليستعين بأصوات من علماء ربانيين أو مقاطع فيديو لعلماء صادقين تبعث الأمل والطمأنينة والسعادة في هذا الزمن الذي نعيشه.