من أجمل الموضوعات التي قرأتها ما كتبه أحدهم تحت عنوان: إلى أين نسير؟ ونحن في زمانٍ طريقنا مملوءة بالذئاب المفترسة. وقافلة البيت تسير بمفردها.. في زمن النت ووسائل التواصل لم يبقَ شيء اسمه الأسرة، بل بيوت خالٍية من المشاعر والعواطف و«جوجل» متخم بالمشاعر والحب.. بيوت كل فرد فيها دولة مستقلة، منعزل عن الآخر، ويتواصل مع آخرين خارج هذا البيت، لا يعرفهم ولا يقربهم.. بيوت لا جلسات فيها ولا حوارات، لا مناقشات ولا مواساة.
الأب الذي كان تجتمع حوله العائلة تبدّل وصار (راوتر). والأم التي كانت تلملم البيت بحنانها ورحمتها، تحوّلت وصارت (واتس آب).. انها بيوت الكل فيها مشغول عن الكل.
أما الأبناء فتحوّلوا من مسؤولين إلى متسوّلين في وسائل التواصل... يتسوّلون كلمة إعجاب من هنا، ومديحا مزيفا من هناك وتفاعلا من ذاك وهذا وهذه.. زمن أصبحنا نستجدي الحنان من الغريب، بعدما بخلنا به على القريب.
أما الزوجة فتعلّق على كل منشورات الرجال الغرباء، وتعجب بصورهم الشخصية.. وزوجها بجانبها يترقّب منها كلمة إعجاب واقعية.. وهو بدوره يلاطف هذه ويتعاطف مع تلك، في الـ «فايسبوك»، وهن غريبات بعيدات.. وزوجته بالقرب منه، ولكنها لم تسمع عطفه ولا لطفه.
أم تراقب كل العالم في مواقع التواصل، لا يمرّ منشور إلا ووضعت بصمتها عليه، ولكنها لا تدري ماذا يوجد في بيتها، وهل لها بصمة في سكينته ومودّته.. وأب يهتم بكل مشاكل العالم، ويحلّل وينظر لكل أحداث الأسبوع، وهو لا يعلم ماذا يدور في بيته.. ولا يستطيع تحليل الجفاف العاطفي والروحي في بيته.
أم يحزنها ذلك الشاب الذي كتب «إني حزين» وهي لا تدري أن ابنتها غارقة بالحزن وتتأثّر لقصص وهمية يكتبها أناس وهميون... ووالدٌ يخطط لنصيحة شابة تمرُّ بأزمة نفسية، وهو لا يهتم بابنته التي تعيش في أزمات.. وابن معجب بكل شخصيات الـ «فايس» ويراها قدوة له، ويحترمها ويبادلها الشكر لما ينشرونه، ووالده الذي تعب لأجله لم يجد منه كلمة شكر.
إن الواقع لم يعد يحتمل.. لقد بدأت تتصدّع بيوتنا وهي قاربت على الانهيار... والغفلة أعمت أبصارنا وهي تتسلّل الى بصائرنا وبتنا صورا متحركة داخل بيوتنا وفي مجتمعنا...
انه إدمان جديد سوف يدمّرنا إن لم نتدارك الكارثة الإنسانية والأزمات والأمراض النفسية التي تتربص بنا وبأسرنا داخل بيوتنا.
ولات ساعة مندم..