بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 تشرين الأول 2018 12:04ص قبة العشرة (2) قبيبات العروس في محلة الخضر

حجم الخط
ورد في الوثيقة الشرعية  المؤرخة في السابع من جمادى الثانية سنة أربع وثمانين ومايتين وألف «حضر في مجلس الشرع الشريف في بيروت منصور بن شاهين مسعد وباع ما هو له وجار في ملكه وتصرفه وآيل اليه بالشراء الشرعي الى رافعة هذا الرقم الشرعي كاترينا بنت ميخائيل عطايا، وهي اشترت منه بمالها لنفسها غب التعريف الشرعي عنها، وذلك المبيع هو جميع قطعة الأرض الصغيرة بمشتملاتها المفرزة من ملك البائع الكائن في محلة قبيبات العروس خارج المدينة المزبورة، المشتملة هذه القطعة على أغراس التي قدر مساحتها طولاً من القبلة الى الشمال إثنا عشر ذراعاً وعرضها شرقاً لغرب سبعة اذرع ونصف ذراع يحدها قبلة ملك محمد الجمال وشمالاً ملك البائع وشرقاً ملك المشترية وغرباً ملك بشارة مسعد تتمة الحدود بحقوق ذلك وطرقه ومشتملاته وما يعرف به ويعزى اليه شرعاً من جميع الجوانب والجهات بيعاً وشراء صحيحين شرعيين باتين لازمتين بإيجاب وقبول وتسليم وتسلم من الجانبين خاليين من الشرط والفساد لا مرجع فهيما ولا معاد بالتخلية الشرعية بثمن قدره للمبيع المسطور مائتان وأربعون قرشاً حالة مقبوضة من مال المشترية بيد بائعها المرقوم تماماً حسب إعترافه في مجلس عقده مع إسقاط الغبن والغرر والإقرار بسبق الخبرة والنظر بطواعية واختيار منه دون إكراه ولا إجبار وضمان الدرك لازم شرعاً على البائع وبالطلب تحرر ما هو الواقع ...».
محلة القبيبات
كما ورد ذكر محلة قبيبات العروس في الوثيقة الشرعية رقم 140 تاريخ آخر شهر شوال سنة 1308 هـ/1891م وموضوعها إقرار جرجس يوسف طنوس التويني بأن العقارات الوارد ذكرها في الوثيقة المشار إليها هي ملك لأبنائه نخلة وجبرائيل وحنا والفرت (أي الفرد) وجاء في الوثيقة من ضمن تلك العقارات «كامل قطعة الأرض الملك بمشتملاتها الكائنة بمحلة قبيبات العروس من محلة الخضر خارج بيروت المشتملة على أغراس متنوعة وثلاث دكاكين وقبوين وخمس اوط (غرف) وبناء كرخانة ملك معدة لعمل الحرير ونشر الشرانق وحلها بما اشتملت عليه من الأماكن والأدوات الملك يحدها قبلة بعضه ملك حبيب بن بطرس ابن غنطوس شكري وبعضه ملك يوسف بن خليل بن يوسف التيان وغرباً الطريق السالك الآخذ الى النهر المذكور (نهر بيروت) وشرقاً بعضه الطريق الآخذ الى النهر المرقوم وبعضه ملك يوسف التيان المذكور شركة سليم الجبيلي بباقي السهام ...».
ومنها ايضا «ثمانية عشر قيراطاً من الأصل المذكور من كامل قطعة الأرض الملك بمشتملاتها الكائنة بمحلة القبيبات المذكورة المشتملة على ناعورتي ماء وتسعة أوط سفلية وقبو وأوطتين علوية وأغراس متنوعة ملك يحدها قبلة الطريق السالك الآخذ الى النهر...
وكذلك ثمانية عشر قيراطاً من الأصل في كامل قطعة الأرض الملك بمشتملاتها الكائنة بمحلة الخضر المذكورة المشتملة على بعض أغراس تين...». 
والقبيبات لغة تصغير قبة . وهو اسم لبئر في طريق مكة المكرمة  ومحلة في بغداد. واسم القبيبات قديم في بلاد الشام ففي سنة 1421م شكلت محلة القبيبات تجمعاً منفصلاً عن دمشق كما ذكر سوفاجية في كتاب «مراسيم سوريا المملوكية» وقد سبقه النويري بالإشارة الى وجود قباب في القسم المشار اليه في منتصف القرن الثالث عشر بحيث شكلت القباب احدى الخصوصيات المعمارية في حي الميدان. وجاء ذكره   في تسعة وثلاثين وثيقة من منتصف القرن  التاسع عشر . وكان أهل القبيبات يتنازعون مع أهل الأحياء المجاورة لهم كما حصل في محرم 903هـ عندما زحف زعر القبيبات على أهل ميدان الحصى.
ويستدل على قدم التسمية بالقبيبات منذ عهد المماليك وقبل الحكم العثماني، أن هذا الاسم يتردد كثيراً في دمشق على ما ذكر ابن طولون الدمشقي في مفاكهة الخلان في حوادث الزمان، وكانت هذه القباب مشيدة من اللبن والطين وكانت القبة تعلو حجرة المسكن.
بناء القباب
يذكر ان القباب التي وجدت في القرن الثالث عشر في حي الميدان أطلق عليها اسم «قباب التركمان» وكان هذا النوع من البناء منتشراً بكثرة في المناطق الواقعة في شمال سوريا والتي استوطن فيها عدد كبير من التركمان في العصر الوسيط عقب هجرتهم من آسيا الوسطى. علماً بأن القباب شكلت أحد ملامح الريف في شمال سوريا ما بين حمص وحلب وعلى طرفي نهر الفرات، كما جرى من منتصف القرن السادس عشر توطين قبائل كردية ترجع في أصولها الى مناطق واقعة الى الشمال من نهر الفرات وكانوا يشاركون التركمان في تقدير  نمط البناء بالقباب.
ولا تزال الى اليوم حارة في حي الميدان تعرف باسم القبيبات كانت دورها ذات سقوف مقببة  ويرى الأب اسحق أرملة الباحث في السريانية (المشرق 1940 ص 180) ان اسم القبيبات سرياني (قبيتبا) ويعني البناء المقبب كالمعنى العربي . فمن غير المستبعد ان أقواماً قدمت من شمال سوريا مع جيش صلاح الدين الأيوبي وما بعده من الأكراد والبدو وغيرهم وأقاموا في محلة الخضر في بيروت كمركز مرابطة وعملوا في الزراعة والرعي والمواشي وابتنوا أبنية متواضعة بسقوف مقببة.
وبقي اسم  قبيبات العروس إسماً لمحلة ضمن محلة الخضر. ويقول عبد القادر قباني في ذكرياته التي نشرت سنة 1927م في مجلة الكشاف «أن البناية التي تعرف بقبيات العروس هي مقسم الماء الوارد الى بيروت».
المسح العقاري لم يذكرها
وحانت الفرصة للجان المسح العقاري التي ألفتها سلطة الانتداب الفرنسي لتغيير الجغرافية توصلاً الى تغييب التاريخ فالغت أسماء مناطق الشيخ رسلان والدركاه والأربعين والتوبة والفاخورة لتحمل كلها اسم محلة المرفأ، وسميت دار المريسة بعين المريسة (مع ان اسم دار المريسة بقي كذلك في سجلات النفوس) وجرى تغييب اسم قبيبات العروس لتحل محلها محلة القبيات؟ كما ظهر في المخطط الذي رسمه المهندس يوسف شريف شهاب في المنطقة  رقم 79 (h 6)، ولم يتبين وجود أصل لتسمية تلك المحلة بالقبيبات؟ 
وإذا كانت خرائط بيروت وأسماء مناطقها ومحلاتها لم تشر الى الطراز المشار اليه من القباب فلأن تاريخ بيروت لم يكتب أو غُيّب وأهمل قصداً منذ بدء عهد الانتداب الفرنسي، مع الإشارة الى أن أقدم خرائط بيروت تلك التي رسمها الأسطول الإنكليزي عندما حاصر بيروت وقصفها سنة 1840م لإخراج جيش إبراهيم باشا منها ولكنها كانت عامة لم تذكر تفاصيل الأماكن التي سبق للوثائق الشرعية ان ذكرتها وحددت مواقعها. 
ومما أهملته أعمال المسح العقاري بما لا نظن أنه من قبيل حسن النية ، ومزرعة الجنينات الواقعة في رأس النبع الشرقي التي ذكرت سنة 1262 هـ و 1278 هـ وسنة 1292 هـ ومزرعة الطليبيات في رأس النبع الشرقي ويحدّها نهر بيروت ومن ضمن هذه المزرعة محلة القوبرية (؟).
وظاهرة التنقل بين بيروت ودمشق قديمة العهد علماً بأن بيروت كانت تابعة لنيابة دمشق. فمن غير المستبعد أن يكون عدد من القبائل الكردية انخرط في جيش صلاح الدين الأيوبي وأن تستقر بعض الأسر الكردية في المناطق التي فتحها صلاح الدين وطرد منها الصليبيين  كبيروت وبعلبك وطرابلس وعكار وحصن الأكراد.
وفي كتاب القضية الكردية لشيركوه ان عدداً كبيراً هاجر الى شمال سورية وأن قسماً منهم قدم الى لبنان عن طريق حلب ونقل الدكتور عصام شبارو أن أصل تسعين بالمئة من أكراد لبنان يعود الى ولاية ماردين وطور عبدين وكانوا يعيشون في مجتمع زراعي، وأن  أكراد قرية متينا سكنوا في برج حمود ولما كانوا قادمين من شمالي سورية اي من منطقة زراعية فمن الطبيعي أن يعملوا في زراعة وتجارة الخضار. 
ومن المتفق عليه أن الجماعات المهاجرة تنقل معها الى مناطق استقرارها الجديدة تقاليدها وأعرافها  في السكن والأعياد والمناسبات الاجتماعية والدينية ومنها إقامة قباب صغيرة باعتبار أن الجسور والألواح التي استعملت في بعض الأماكن السكنية الفقيرة لم تكن كافية لحماية ساكنيها من البرد والمطر والعواصف.
أما إضافة لقب العروس الى القبيبات البيروتية فقد تكون تيمناً بمئذنة العروس في الجامع الأموي؟ ويقول قتيبة الشهابي في معجم دمشق التاريخي «أنها سميت بذلك لمظهرها عندما كانت تتلألأ بأنوار الفوانيس في المناسبات مما يجعلها تشبه العروس ليلة زفافها وتعرف بعروس الجامع وبمنارة العروس». فكانت محلة القبيبات البيروتية تتلألاْ بأنوار الفوانيس في مناسبات مماثلة. 
يذكر بأن خلافاً حصل سنة 1932م بين إدارة الأوقاف ومتولي وقف الخضر توفيق عبد الرحمن الخضر ادعى فيه هذا الأخير أن أسرته متولية تلك أوقاف منذ أكثر من 300 سنة وفي حوار الخضر. وقد أنشىء بجوار الخضر كامب للقوات الفرنسية من عدة غرف وتخشيبات وقطعة مؤجرة لشركة السكة بمبلغ 52 ليرة ذهبية سنوياً.

 *محامٍ ومؤرخ