بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 آذار 2020 12:02ص كثُر الغشّاشون... وضاعت صنائع المعروف

حجم الخط
تدخل إلى المساجد فتجدها عامرة بالمصلّين، الركّع السجود، وتنظر إلى وجوه الناس في الشوارع والأسواق فترى الملتحين، قد عمرت مظاهر الإيمان محياهم. وترى نساء القوم قد لبسن الحجاب، وبعضهن أسدلن الخمار على وجوههن فينشرح الصدر بما تراه الأعين.

انها مظاهر تدلّ على التديّن، وتطرح فرضية أن المجتمع بخير لان من إلتزم بالدين وبأخلاق المتدينين سلم الناس من لسانه ويده ولكن الواقع غير ذلك...

سَألَ عمرُ بن الخطّاب رضي الله عنه عن رجلٍ ما إذا كان أحدُ الحاضرين يعرفه، فقام رجلٌ وقال: أنا أعرفه يا أمير المؤمنين، فقال عمر: لعلّكَ جاره، فالجارُ أعلمُ النّاس بأخلاقِ جيرانه؟ فقال الرّجلُ: لا... فقال عمر: لعلّكَ صاحبته في سَفرٍ، فالأسفار مكشفة للطباع؟ فقال الرّجلُ: لا... فقال عمر: لعلّكَ تاجرتَ معه فعاملته بالدّرهمِ والدّينارِ، فالدّرهمُ والدّينار يكشفان معادن الرّجال؟ فقال الرّجلُ: لا... فقال عمر: لعلّك رأيته في المسجدِ يهزُّ رأسَه قائماً وقاعداً؟ فقال الرّجلُ: أجل... فقال عمر: اجلسْ فإنّكَ لا تعرفه.

قال أحد رواة هذه الواقعة تعليقا عليها: كان عمر بن الخطّابِ يعرِفُ أنّ المرءَ من الممكن أن يخلعَ دينه على عتبةِ المسجد، ثم ينتعلَ حذاءَه ويخرجَ للدّنيا مسعوراً يأكلُ مالَ هذا، وينهشُ عرض ذاك!

كان يعرفُ أن اللحى من الممكنِ أن تصبحَ متاريسَ يختبىء خلفها لصوصٌ كُثر، وأنّ العباءة السّوداء ليس بالضرورة تحتها امرأةٌ فاضلة!

كان يعرفُ أن السِّواكَ قد يغدو مِسنّاً نشحذ فيه أسناننا ونأكل لحوم بعض..؟!

كان يعرفُ أن الصلاةَ من الممكنِ أن تصبحَ مظهراً أنيقاً لمحتال، وأنّ الحجّ من الممكنِ أن يصبحَ عباءةً اجتماعية مرموقة لوضيعٍ..؟!... وكان يؤمنُ أنّ التّديّنَ الذي لا ينعكسُ أثراً في السُّلوكِ هو تديّنٌ أجوف..؟!

ونحن نتساءل عن حال مجتمع دبّت فيه الفوضى الأخلاقية والاجتماعية، فلا شيء من أدبيات التكافل الاجتماعي موجود، وسيئات الأقوال والأفعال تواجهها كلما قلّبت وجهك في أربع رياح الأرض..

كثُر الغشاشون، وضاعت صنائع المعروف، وأصبح الوفاء عملة نادرة، وصارت الصحبة للمصلحة، وتفشّى عقوق الوالدين والجفاء بين الأهل والأخوة، والكثير الكثير من مفردات الكذب والخيانة والحقارة.

ربّاه ما هذا الزمن الذي وصلنا إليه...

يجاهر الخلق بمعصية الخالق وأصبحت الفواحش والموبقات مفخرة لا حياء ولا استحياء..؟!

تبّا لزماننا... لم يعد يعرف الساجدون بعضهم... تبدلّت قبلة المصلّين.. وتنجّست سجادة الساجدين وصارت الجباه خاضعة لآلهة المال والجاه وأهل السلطة..

فوا أسفاه عميت الأبصار وعميت القلوب التي في الصدور..