بعد أيام قليلة تمر علينا ذكرى وفاة الشيخ محمد عمران أحد أبرز وألمع الأسماء في عالم تلاوة القرآن في عالمنا العربي والإسلامي، ولكنها للأسف تمر في القلب حرقة كبيرة مما آلت إليه أحوال قراءة القرآن في عصرنا وبلادنا.
فاليوم - وبكل أسف أقول – نحن نعاني من ندرة كبيرة في مجال فن تلاوة القرآن الكريم بأصوات شجية متعلمة وواعية، وأكرر القول وأنا أتعمد... فن تلاوة القرآن الكريم...
نعم.. نقول فن... لأننا بحاجة إلى علماء مبدعين يدركون كيف يقرأون القرآن، وليس فقط إلى مجيدي أحكام...؟!
فنّ.. لأننا مجبورون على حسن تعريف الأجيال الناشئة بكتاب الله تعالى ...
وفنّ.. لأننا أيضا مطالبون بحسن عرض هذا الدين على الناس، وباب هذا الحسن هو الصوت الندي والجميل الذي يحسن التعامل مع موهبته فيجعلها في خدمة كتاب الله سبحانه وتعالى بكل رقي وعلم، وهذا الأمر يطال أيضا الأبواب الدعوية الأخرى، كالأذان والابتهالات الدينية التي نحتاج فيها أيضا إلى نهضة فنية وثقافية وإبداعية معها حتى تصل إلى أهدافها المنشودة.
والشيخ محمد عمران رحمه الله هو أحد هؤلاء الذي فهموا... ماذا تعني تلاوة القرآن فأتقن وأبدع وترك إرثا أعتقد أن كثيرا ممن جاء بعده تعلم منه...
كان رحمه الله - ولا نزكي على الله أحدا - ممن أعطوا مثالا راقيا على كيف يكون الإنسان قارئا لكتاب الله بفكره وبموهبته وبثقافته وبإبداعه وبعلمه وبكل ملكاته ... قبل أن يكون قارئا بلسانه أو بحنجرته...
لقد كانت قراءة الآية الواحدة عند الشيخ محمد عمران خطوة تفسيرية للنسق العام التي وردت فيه هذه الآية، فتشعر مع صوته بالحالة النفسية التي يراد من المتدبر لها أن يشعر بها، وبالتالي تحولت قراءاته إلى نوع من التمهيد الثقافي والفكري لمن أراد أن يغوص في بحور الآيات ليستخرج الدرر والجواهر منها.
هذه الرحلة المباركة... نفتقدها اليوم عند غالبية من يقرأ القرآن في المناسبات الدينية والاجتماعية، بل إننا وبكل أسف نشاهد أحيانا من يعكس المطلوب فيعطي صورة منفرة للناس بدلا من أن يقربهم ويحبب إلى قلوبهم تلاوة القرآن الكريم...
إن الدراسات الحديثة كلها تؤكد أن الأذن هي أوّل حاسّة تعمل عند ولادة الإنسان حتى أن الجنين في عمر ثلاثة أشهر يملك حاسة سمع كاملة، بل قد أثبتت الأبحاث أن الطفل في بطن أمه يستطيع أن يميز الأصوات كما أنه يتأثر بالأصوات الخارجية وأن سرعة دقات قلبه تتغير حسب نوع الصوت وشدته وبحسب نداوته ومنكره..؟! فهل وصل السوء لدينا إلى أننا أصبحنا حتى في التعامل مع الأجنة في بطون أمهاتهم مشوهين ومسيئين....؟!
أيها الشيخ الراحل... جزاك الله كل خير على ما قدّمت... وغفر الله لنا ..؟!