كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعون لهم يهتمون بشهر رمضان ويفرحون بقدومه، فيدعون الله أن يبلّغهم رمضان ثم يدعونه أن يتقبّله منهم، فها هم نجدهم ينتظرون رمضان ويستعدّون له بالدعاء والطاعات ستة أشهر، ومن ثم يحزنون لفراقه ويدعون الله أن يعيده عليهم طوال ستة أشهر أخرى!!
فقد روي عن النّبي صلى الله عليه وسلم انّه كان إذا رأى هلال شهر رجب قال:
«اَللّـهُمَّ بارِكْ لَنا في رَجَب وَشَعْبانَ، وبَلِّغْنا شَهْرَ رَمَضانَ، واَعِنّا عَلَى الصِّيامِ والْقِيامِ وحِفْظِ اللِّسانِ، وغَضِّ الْبَصَرِ، ولا تَجْعَلْ حَظَّنا مِنْهُ الْجُوعَ والْعَطَشَ»، وكأن المصطفى صلى الله عليه وسلم يبيّن لنا أن شهر رمضان جاء ليهذّب نفوسنا مع طاعتنا لله، ففيه مخالفة هوى النفس وكبح جماحها من خلال ضبط اللسان وغَضِّ البصر، وإلا فإن حظنا منه سوف لا يتجاوز الجوع والعطش.
فكيف نستعدّ لاستقبال هذا الشهر الكريم...؟!
علماء الأزهر تحدثوا حول الموضوع وبيّنوا واجب كل مسلم تجاه شهر رمضان المبارك..
جمعة
{ بداية، صرّح وزير الأوقاف المصري د. محمد مختار جمعة على إن شهر رمضان هو شهر القرآن يقول سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، وقد كان سيدنا جبريل ينزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان يدارسه فيه القرآن، فلما كان العام الذي قبض فيه دارسه فيه القرآن مرتين، ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال فيشفعان»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده»، وإذا كان ذلك عامّاً في كل وقت وحين، فما بالكم به في هذا الشهر الفضيل الذي تُضاعف فيه الحسنات؟
وقال: لا شك أن القرآن الكريم يرقى بصاحبه إلى أعلى الدرجات في الدنيا والآخرة، فهذا نبينا (صلى الله عليه وسلم) يضرب أعظم المثل مع أهل القرآن، فقد قال يوما لسيدنا أُبيّ بن كعب: «أُمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ»، فَقُلْتُ: أَسَمَّانِي لَكَ رَبِّي أَوْ رَبُّكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، فَتلا: «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ»، وفي رواية: «قال أُبيّ يا رَسُولَ اللَّهِ، وَذُكِرْتُ هُنَاكَ؟ قَالَ (صلى الله عليه وسلم): «نَعَمْ بِاسْمِكَ ونَسَبِكَ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى» قَالَ: فَاقْرَأْ إِذاً يَا رَسُولَ اللَّهِ».
وقال: القرآن الكريم هـو أحسن الكلام وأجمــله، وأصـدق الحــديث وأبلغـه، وأحسن القصـص وأعـذبه، يقول الحق سبحانه: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}، ويقول سبحانه: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}، وهو عِزُّ هذه الأمة وشرفها، يقول الحق سبحانه: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}، ويقول سبحانه وتعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}، وهذه الأمانة وتلك المسؤولية تحتّم علينا خدمة كتاب الله (عزّ وجلّ)، والعناية به وبأهله، حفظاً، وتجويداً، وتلاوة، وترتيلاً، وفهماً، وتطبيقاً.
وذلك مع التحذير الشديد من هجره أو نسيانه، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتاً مِنَ الإِبِلِ في عُقُلِهَا»، أم في جانب المداومة على الحفظ والتذكر والحث عليه، يقول نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم): «مَنْ قَرَأَ حَرْفاً مِنْ كِتَابِ الله فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وَارْتَقِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا».
عطية
{ أما د. مبروك عطية فقال: إنْ كان الناس في حاجة إلى الصبر في زمان دون زمان، فإن حاجتنا اليوم إلى الصبر شديدة، وذلك لأننا في تسرّع لا مثيل له، يعيننا عليه تلك الوسائل الحديثة التي تنقل الأخبار في طرفة عين، ويا ليتها تنقل الأخبار الجميلة الطيبة، كما تنقل بتلك السرعة الهائلة الأخبار السيئة التي تثير الناس - في زمان الثورة. وتلهب مشاعرهم، وتدعوهم إلى الفتن، وتسوقهم إليها فالموقف العابر الذي يحدث في الصباح تصنع منه وسائل الإعلام - ولا سيما الفضائيات - مجلدات في المساء، وهات يا تحليل، وهات يا رؤى، وهات يا شفرات ومنذرات حتى مطلع الفجر، الأمر الذي يؤثر في الناس وفي أعمالهم ونظراتهم إلى المستقبل.
وتابع: وها هو رمضان الكريم شهر القرآن والذكر والصوم عن الطعام والشراب وسيئ العادات قد بات على بُعد أيام قليلة عنا، وحتى يكون ثوابنا فيه كاملاً غير منقوص، سمّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم شهر الصبر، فالصيام عن الطعام والشراب أمر هيّن بالنسبة إلى الصيام عن سيئ العادات، وموروث الثقافات التي صار فيها ابتداع لم يعرف من قبل، ومن ثم كان علاج الإسلام للعمى الذي يتمثل في فقه العبادات دون فقه المعاملات، وما شرعت العبادات في الإسلام إلا من أجل أن تكون المعاملات بين العباد على أرقى ما يكون، ألا ترى إلى قول الله تعالى: {إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر} وقوله - عزّ وجلّ -: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}.
وأضاف: والتقوى اسم جامع لكل خير، وليس من التقوى أن تحرم نفسك شهوة البطن والفرج الحلال من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وأنت لا تحرمها ذلك السوء الذي مُنيت به من فساد الطبع وسوء الخلق، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، وقد جاء التوجيه النبوي الشريف للمسلم الذي يعتريه شيء مما يكون بين الناس من سباب وشتم وقتال أن يجيب عن ذلك كله بقوله: إني امرؤ صائم، وهو لا يجيب به من شتمه أو سبّه أو قاتله، وإنما يجيب به نفسه الأمّارة بالسوء التي تهوى الرد على مَنْ أساء إليها بإساءة أبلغ وأشدّ، أي ينطلق صوت ضميره الحي في أعماق نفسه، يُروّي به نفسه قائلاً لها: لا ترد على السفيه بإساءة، فأنا امرؤ صائم.
واختتم قائلا: إن الله - عزّ وجلّ - يقول: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} ويقول في أصحاب الجنة: {والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم...} ويقول - عزّ وجلّ -: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا...} وقد تعارف الناس على أن الصبر لا يكون إلا عند المصيبة، وهذا أيضاً من المغاليط، فالصبر خلق ومنهاج، يحتاج إليه من توفّرت عنده النعم، حتى لا يستعين بنعم الله - عزّ وجلّ - على معصيته، بل إننا نرى كثيراً من المتحاورين اليوم وقد بدأ كل منهم بالترحيب والاستعداد للحوار الموضوعي الهادف.. بعد لحظات يصيرون وحوشاً كاسرة، يشتم بعضهم بعضاً، ويسفّه بعضهم آراء بعض، وقد ينسحب أحدهم من ساحة الحوار مدبراً، وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: «... ولا تدابروا». فلعل رمضان يهدينا الله فيه إلى صبر جميل نرى في ظلّه تحضّراً وجمالاً.