يحرص العقلاء على إقتناص الحكم من مفاصل الحياة العملية، ويدركون أن الانشغال بسرائر الناس يفتح باب سوء الظن وظلم الخَلق، وان مدارك الإنسان كلما اتّسعت بانَ ضيقها... وكما قال النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم: الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها..
وفي هذا السياق، التقطتُ حكمة حيث قرأتُ أن أحد دهاة العرب قال: ما غلبتني إلا جارية، كانت تحمل طبقاً مُغطّى.. فسألتها: ماذا يوجد في الطبق؟؟
فقالت: ولمَ غطّيناه إذاً؟!!.. فأحرجتني!!!
لا أقول حكمة اليوم بل حكمة العمر: «أي شيء مستور لا تحاول أن تكشفه» لا تحاول أن تبحث عن الوجه الآخر لأي شخص، حتى لو كنت متأكّداً بأنه سيّئ يكفي أنه احترمك وأظهر لك الجانب الأفضل منه، واجعل من إكتفائك قناعة، فلكل مِنّا جانب سيّئ يتحاشاه حتى مع نفسه.
والحكمة الثانية وجدتها في حادثة رواها الصحب الكرام عن نبي الرحمة محمد عليه الصلاة والسلام..
فقد جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقير من أهل القرية... بقدحٍ مملوءةً عنباً يُهديه له. فأخذ رسول الله القدح.. وبدأ يأكل العنب...
فأكل الأولى وتبسّم...
ثم الثانية وتبسّم...
والرجل الفقير... يكادُ يطير فرحاً بذلك... والصحابة ينظرون... قد اعتادوا أن يشركهم رسول الله في كل شيء يُهدى له... ورسول الله يأكل عنبة عنبة... ويتبسّم حتى أنهى القدح والصحابة متعجبون!
ففرح الفقير فرحاً شديداً... وذهب، فسأل أحد الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله.. لِمَ لم تُشركنا معك؟!!
فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قد رأيتم فرحته بهذا القدح... وإني عندما تذوّقته.. وجدته مُرّاً فخشيتُ أن أشرككم معي... أن يُظهر أحدكم شيئا يفسد على الرجل فرحتهُ.
(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظيم)..
ولهذا فلَيْسَ گل ما في خَوَاطِرُنَا يُقَالُ.. وَلَيْسَ كُلٌّ ما يقال مَقْصُودٌ.. وَلَيْسَ كُلٌّ ما يكتب وَاقَعَ نَعِيشُهُ.. بل نحتاج إلى اِبْتِسَامَةٌ صَادِقَةٌ.. وَقَلْبٌ نَظِيفٌ.. وَتَعَامُلٌ حَسَنٌ.. وَنَفْسٌ مَرِحَةٌ.. وَكَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ...
الشيخ عباس محمد العرب