بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 آب 2023 12:00ص لمصلحة مَن تتمّ شخصنة الدين..؟!

حجم الخط
دعوني أدخل في الموضوع مباشرة وأسأل... لماذا انتشرت مفسدة شخصنة الدين في بلادنا حتى سادت وانتشرت، وبات لعدد كبير من المسلمين أشخاصا ارتبط الدين بهم، وبدون اتباعهم لا دين للإنسان؟!..
فمن خلال هؤلاء.. يصلّون إلى الخالق عزّ وجلّ، ومن خلالهم.. يعبدون الله، ومن خلالهم.. تكون القربات صحيحة، وبدون إذنهم و(بركتهم؟!).. لا تصحّ عبادة ولا تقبل طاعة..؟!
نعم.. أعود وأسأل... لماذا وصلنا إلى هذه المرحلة التي ذمّها القرآن الكريم في قوله تعالى {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}.
وأنا حين أطرح هذا التساؤل لا أطرحه من باب إثارة الجدل، وإنما من باب دراسة الأبعاد العقدية والفكرية والإيمانية والحضارية المترتبة على هذا الإعوجاج من جهة، ومن باب بحث كمية ما ألصق بالدين من مفاهيم وتصرفات وأفكار ما أنزل الله بها من سلطان من جهة أخرى.
ربما يقول البعض أننا بحاجة إلى علماء وفقهاء وأولياء يعرّفون الناس بدينهم، فأقول هذا صحيح، ولكن كدور تعليمي وتربوي وتوعوي، ولا حق لهم أن يدّعوا أنهم الطريق الوحيد للوصول إلى طاعة الله ورضاه..؟!
إن رضا الناس بهذه الفكرة يعني الترويج لسيئة (بيع العقول) والسماح لكل من يريد أن يسير عليها ويتاجر بها ويتحكم، وفق أهوائه ومصالحه ومكاسبه..
وإلّا.. ماذا يعني أن يُمنع رجل مسلم من أداء العمرة.. لأن شيخه لم يأذن له..؟!
وكيف نفهم منع إمرأة من قراءة دعاء معيّن لأن (مولانا) لم يسمح لها بعد..؟!
وبأي فكر نفهم عزوف فلان عن الزواج، وطلاق علّان لزوجته، وترك ثالث لبيت أهله، وكل ذلك بسبب طلب (إمام العصر وبركة الزمان) لذلك، هذا عدا الإضافات على العبادات وتشريع الخرافات التي أصبحت شرعا جديدا في بلادنا، ودليل من يؤديها الوحيد.. أن العالم الفلاني أفتى بها فأصحبت ملزمة له..؟!
أين العقل الذي أمرنا أن نعمله في كتاب الله.. وفي خلق الله... وفي آيات الله... لنحقق فضيلة التفاعل مع هذا الدين العظيم...؟!
أين الفكر الذي علينا أن ننمّيه ونغذّيه ونرتقي به من خلال كتاب الله، بدلا من حبسه في قمقم من الجهل ثم تقديمه إلى فلان أو علّان ليملأه هو بما يشاء كيفما يشاء ووقتما يشاء..؟!
إنه لمن المؤسف - بل لمن المبكي - أن نرى أجيالا بأكلمها تكبر وتترعرع وسط أصوات شاذة تدعو إلى التزام ما يمكن تسميه بمبدأ «السمع والطاعة» حتى في الأمور التي تحتمل اجتهادا أو اختلافا بين البشر...؟!، وفي الوقت عينه تغيب إعمال العقل، ومن المخيف جدا تخيّل المستقبل الذي سيكون على أيدي هؤلاء.
هذا العقل الذي كرّمنا المولى تعالى به لنعمله في خلق الله وفي آيات الله ولننطلق من خلاله إلى الكون بكل ما فيه فنستفيد منه ونتفاعل معه ونحسن التعامل.

مفسدة تأجير العقول

والمشكلة الأكبر أن هناك بيننا من يصوّر أعمال العقل معصية.. والاجتهاد مصيبة.. وتجديد التفاعل مع كتاب الله بُعداً عن الدين… حتى أصبحنا أسرى لمفاهيم بالية وتفسيرات شاذة، لا تخدم إلّا أصحاب المصالح وإن عارضت صحيح الدين والعقل..؟!
بل وصل الأمر عند البعض إلى مرحلة تسليم أمور الدين والدنيا كاملة إلى (مولانا صاحب الكرامة)، فهو يفسّر وهو يقرّر وهو يأمر وهو ينهى وهو يتحكّم، ولا كلام فوق كلامه، ولا أمر فوق أمره، ولا رضا فوق رضاه..؟!
وبدلا من أن نكون ممن قرأ قوله تعالى {وَكُلّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً} والتزمنا به، لجأنا إلى مفسدة تأجير العقول، فحقّ علينا قوله تعالى {إِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْـئاً وَلَا يَهْتَدُونَ}.
وطبعا... ليس المقصود هنا بالعقل ذلك التفلّت الذي نراه من حولنا عن كل مبادئ وأساسيات وأصول الإسلام، ولكن نقصد العقل الذي أمرنا الله بإكرامه من خلال إعماله بالعمل الصحيح وبالتفكير السليم لقوله تعالى: {أفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}..
إننا أيها السادة نعاني من أزمة في الفكر... ومن أزمة في العمل.. ومن أزمة في العلم.. ومن أزمة في السياسة... ومن أزمة في الأخلاق... ومن أزمة في الاقتصاد... ومن أزمة في الأمور الاجتماعية.. ومن أزمات أخرى كثيرة يعجز المرء عن إحصائها في هذا العصر الأسود «عربيا وإسلاميا».. والسبيل الوحيد للخروج من هذا النفق المظلم هو إعادة إكرام هذا العقل وفكّ قيوده التي يصرّ بعض «المتحذلقين» على حسن إحكامها حفاظا على ميزات معينة.. أو سلطات محددة... أو حتى مكاسب معروفة...؟!
أزمتنا أيها السادة بكل بساطة.. أزمة عقل.. والأسوأ أننا جعلنا الاتزام بها (دين)…
فـ... {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}..

bahaasalam@yahoo.com