مستفزّة جداً تلك الحالة السلبية التي استقرّت في نفوس عدد كبير من المسلمين تجاه تعاملهم مع كتاب الله تعالى، وأسوأ ما فيها أن مفهوم التعامل مع القرآن الكريم قد تحول معها ليكون بمعنى تمرير اللسان على الآيات فقط لا غير... بينما نحن بأشد الحاجة - وخاصة في أيامنا هذه - إلى ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح (مخابراتية القراءة)...!؟
والمقصود أن على كل إنسان مسلم أن يتعامل مع كتاب الله تعالى بالأسلوب الذي تتعامل به أجهزة المخابرات في كل بلاد العالم مع أي قضية، بحيث لا تترك كبيرة ولا صغيرة ولا تغفل عن أي حدث مهما بدا للغير أنه أمر عادي وطبيعي إلا وتدقق فيه وفي أسبابه وفي دوافعه وفي نتائجه وأبعاده، والهدف هو الحصول على صورة كاملة وشاملة عن الموضوع الذي يحققون عنه.
وكذلك نحن مطالبون بـ«مخابراتية» القراءة للقرآن الكريم، فعلينا أن نقف مع كل حرف وكل حركة وكل كلمة وقفة تأمل وتدبر ودراسة وتمعن، ليس فقط حتى نكون فاهمين وواعين لما نقرأ، ولكن أيضا حتى نشعر بلذة العبادة ومتعة القراءة لكتاب الله تعالى..؟!
ألا تلاحظون معي أيها السادة أن كثيرا منا بات يفتقد تلك الحلاوة الإيمانية حين يقرأ القرآن...؟!
ألم تلتفتوا إلى أن علاقتنا بالكتاب الكريم أصبحت شبه «معلــّبة» حتى صار الكثير يقرأ فقط ليسقط الفرض عن نفسه...؟!
ألم تشعروا أننا كثقافة مجتمعية في بلادنا ربطنا القرآن - الذي هو كتاب حياة يعلمنا كيف نبني حضارة – بحالات الموت وسرادقات العزاء فقط...؟!
إننا لا يمكن أبدا أن نفهم قول الله تعالى {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} إلا إذا علمنا كيف نصل بتعاملاتنا مع كتاب الله إلى تلك اللذة المفقودة التي نعاني من غيابها..؟!
إن أخطر ما في هذه المفسدة الفكرية التي سادت في بلادنا أننا أصبحنا نقدّم القرآن للأجيال الناشئة وكأنه كتاب تحريم أو أحكام فحسب...؟!
لا أيها السادة...
القرآن كتاب معجزة... أنزله المولى تعالى على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليخرجنا به من الظلمات إلى النور، ومن الذل إلى الكرامة، ومن الضعف إلى القوّة، ومن الجهل إلى العلم، ومن الأسر الشهواني والغرائزي إلى الحرية الحضارية، فبالله عليكم كيف يسعد بكل تلك النعم من لم يشعر بلذة القرآن وحلاوة التعامل معه..؟!
إن قارئ القرآن إن لم يذهب بكليته أثناء القراءة في رحلة نورانية، تأخذه تارة إلى نعيم الجمال وتارة إلى استشعار الجلال، فهو لم يصل إلى لذة القراءة، وطبعا لم يرتقِ إلى مستوى قول الله تعالى {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}..
أما المطلوب فهو البدء فوراً - على المستوى الفردي والجماعي - بتصحيح مفهوم العلاقة مع كتاب الله تعالى حتى نكون (مخابراتيين) في التعامل... لا قارئين بالألسن... فحسب..؟!