بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 أيار 2018 12:03ص مدرسةُ الصوم وآثاره

حجم الخط
بقلم: الشيخ مالك البارودي* 

إن الصوم عبادة فرضها الله على خَلقه طهراً لهم وتزكيةً لنفوسهم، كما فرض سائر العبادات لمصلحة الخَلق أنفسهم لا لمنفعة تعود عليه سبحانه، فهو غنيٌّ عن العالمين. 
وليس ثمة فائدة في البحث عن سرّ الصوم والحكمة منه لمن ينكر الخالق أو ينكر حكمته أو ينكر النبوات، ولكن هناك فائدة هي التذكير وطمأنينة القلب للمؤمنين.   
ولذلك قال الله تعالى: {فإن الذكرى تنفع المؤمنين} {إن في ذلك لعبرة لمن يخشى}.
وقد نبّه الله جل شأنه في الضحايا إلى أنَّ المقصود منها التقوى فقال : {لن ينالَ اللهَ لحومُها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم}.
وكذلك نبّه في آية الصوم إلى أنّه إنما شرعه للتقوى: {كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون}، فما لم يكن الصوم محقّقاً لهذه الغاية، كان تعب الصائم وجوعه وعطشه سدى، وكان الصوم إما باطلاً كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء، وإما مسقطاً للفرض خالياً من الأجر الذي وعد الله به الصائمين.
والتقوى التي هي ثمرة الصوم، حالة تمنع الإنسان من الوقوع في الإثم، فتحمله على الطاعة وامتثال أوامر الله وتركِ ما نهى عنه وحرّمه، وتجعل النفس الإنسانية مطمئنة راضية بالحياة، راضية بالجهد فيها، ناعمة بالرزق واليسر فيها، صارفة له فيما سنّه الله تعالى وقدّره لعباده، شاعرة بلذّة الاتصال بالله، سَلِسة القيادة، سهلة العشرة مع الخَلق، بعيدة عن إيقاع الأذى والضرر بهم، سواء أكان ذلك بالقول أم بالفعل، ولذلك قال سيدنا رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، وقال عليه الصلاة والسلام: «الصيام جُنة، فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل إني صائم مرتين، يقول الله تعالى: الصوم لي وأنا أجزي به، يدع الصائم طعامه وشرابه لأجلي».
فالنبي  صلى الله عليه وسلم  يقرر أن الصيام وقاية من الآثام والمعاصي، لذلك لا ينبغي أن يتفوّه الصائم بالفحش من القول، ولا أن يفعل أفعال الجهلاء والحمقى من الغيبة والكذب والنميمة والشتم والضرب والإيذاء وأكل أموال الناس بالباطل وارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما بطن.  
والله جلّ وعلا يتولى أجر الصائمين الذين يوفون بحقوق الصوم، ومن تولّى الله أجره، أغنَاه ووقَاه بغير حساب.
وإذا كان الصوم منسوباً على الخصوص إلى الله تعالى، وجب على الصائم أن يكون دائماً على ذكر منه، وأن يتقي ما يبعد عن الله، وأن يكون مخلصاً لله، وهذه التقوى تبعث على الرفق وعلى البرّ بالفقراء والضعفاء واليتامى والمساكين، وعلى إغاثة الملهوف والمضطر، لذلك ينبغي أن يكون هذا أولَ أثر من آثار الصيام، وقد كان عليه الصلاة والسلام أجود الناس، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، وكان فيه أجود من الريح المرسلة، وفّقنا الله تعالى إلى عمل الخير وخير العمل، ورزقنا التقوى ووقانا الزيغ، وجنّبنا وساوس الشيطان.
 * مدرّس الفتوى في طرابلس