بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 حزيران 2020 12:00ص «مراهقة» الخطاب الديني في بلادنا تدمّر الصورة: المطلوب خطط عاجلة تعيد الأمور إلى نصابها

حجم الخط
يقول المتخصصون بأن فترة المراهقة تتميّز بعلامات عديدة... منها سرعة الانفعال، والتخبّط في اتخاذ القرارات، والتمرّد فقط بهدف التمرد، والرغبة في الخروج من عباءة الالتزام، والتأثر الانفعالي بكل كلمة تقال، وكذلك الدفاع المستميت عن الجزئيات ولو أدّى ذلك إلى تدمير الكليات، والمباهاة بالكلام دون الأفعال، إضافة إلى صفات أخرى.

ويبدو - بكل أسف – أن غالبية الخطاب الديني في بلادنا قد دخل مرحلة المراهقة، حتى باتت كل الصفات السابقة محققة فيه..؟!

وهذا الأمر بحاجة ماسّة إلى وقفة حقيقية وصادقة مع الذات لإعادة قراءة مسار الخطاب الديني في لبنان بعدما جنح عن الطريق وأصبح في خطر الانزلاق إلى حيث لا يحمد..؟!

فالناس اليوم – وخاصة جيل الشباب – أصبحت رافضة لمعظم ما يقال، تاركة لغالبية الدعاوى، مشككة بالكلام الصادر من معمّم أو شيخ أو عامل في مجال الدعوة إلا من رحم ربي..؟!، ورغم ذلك لا عمل ولا جهد ولا خطط ولا سعي لتنقية الصورة وإصلاح الأمر.

نعم... نحن في فترة «دعوية» حرجة جدا، هي أشبه بـ «الموت الإكلينيكي»، حيث يوصف المريض أنه حيّ، ولكنه حقيقة ميت..؟! لا تجاوب منه ولا أثر له ولا قدرة على فعل أي شيء... والأسوأ أن بقاءه حياً «ولو بالإسم فقط» ليس من صلاحيته إذ القرار ليس بيده، بل بيد من يشرف على رعايته.. وإن كان أفشل الأطباء..؟!

نفور جماعي

انظروا أيها السادة من حولكم إلى كل أفراد المجتمع، الملتزم منهم وغير الملتزم.. ماذا سترون..؟!

سترون فريقا ترك الدين وشكّك بكل ما فيه وبات بعيدا عنكم، بسبب «مراهقتكم الدعوية» التي أبعدته بخطابها وسوء أعمالها ولامبالاتها..؟!

وسترون فريقا ثانيا تقوقع داخل دائرة الجماعات والأحزاب «المتأسلمة» لا قناعة وإيمانا، بل إما «إمعة»، وإما «دروشة»، وإما طبعا... مصلحة..؟!

وسترون فريقا ثالثا.. ترك تخبطتكم وعبثيتكم، والتزم وحيدا، يؤدّي طاعته للّه بعيدا عنكم، وإن كان في بعضها أخطاء أو تقصير..؟!

وبالتالي لم يعد من المقبول أبدا استمرار «عجائزية» الخطاب في بلادنا حتى نفر كل أحد منه..

ولم يعد من المقبول الاستمرار في إبعاد الواقع ومشاكل وتحديات المجتمع حتى بات الخطاب في وادٍ، والناس في وادٍ..؟!

فالناس قد ملّت.. وضجرت.. ونفرت بل وكفرت بكلامكم.. وسيطر سوء الظن والتشاؤم واليأس على كل مناحي حياتها، حتى وصل الأمر عند البعض إلى التشكيك في الدين نفسه... والسبب زعمكم «المزوّر» أنكم تتحدثون بإسم الدين..؟!

أين هموم الفقراء والمرضى والمحتاجين والعاطلين واليتامي والأرامل والغارمين من خطابكم وأعمالكم..؟!

أين توعية الشباب وإرشادهم وتثقيفهم وتعليمهم وغرس حضارة الدين في نفوسهم..؟!

أين محاربة المخدرات والعلاقات المحرّمة وانتشار الزنى والخيانات الزوجية التي أصبحت مصدر تفاخر عند البعض..؟!

وأين إظهار الفهم الصحيح والتعاليم الراقية للإسلام الحنيف وزرعها في عقول ونفوس الشباب..؟!

بل وأين التفاعل البنّاء والإيجابي مع كل ما في كتاب الله وسنّة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يرى المجتمع أثر هذا الفهم الصحيح.. في العمل السليم..؟!

إنقلاب المفاهيم وتسييس الدين

ولعل أخطر ما في الأمر كله هو جريمة تقديم كل فريق الدين للناس كافة على أنه رأي سياسي.. أو مذهب سياسي فقط لا غير.. من وافقه فهو مؤمن ومن خالفه فهو كافر، أضف إلى ذلك جريمة أخرى هي تقسيم الساحة إلى جماعات وجمعيات متناحرة متنافرة، كل واحدة منها تدّعي الحق و«تشيطن» غيرها، وإن كانت «غيرها» هذه.. من ملّتها ومذهبها ودينها... فانتشر التعصب وساد التمذهب وشاع الخلاف بين أبنائنا وشبابنا..؟! 

فبالله عليكم أجيبوني..

كيف سيؤمن الناس أنكم تتكلمون بإسم الدين الحق، الذي أمر بالوحدة بين المسلمين فقال {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}...؟!

وكيف سيقتنعون أنكم تعملون بهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوصانا فقال: (طُوبَى لِمَن جعَلَه الله مِفتاحاً للخير مِغلاقاً للشَّرِّ)..؟!

أيها المشاركون في الخطاب الديني في بلادنا من كل حدب وصوب...

تروي لنا الكتب أن عمر بن عبد العزيز بعد أن تولّى الخلافة قالت زَوْجَتُهُ فَاطِمَةُ: «دَخَلْتُ يَوْماً عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي مُصَلاهُ وَاضِعاً خَدَّهُ عَلَى يده ودموعه تسيل على خديه، فقلت: ما لك؟»، فقال: «ويحك يا فاطمة، قَدْ وُلِّيتُ مِنْ أَمْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ مَا وُلِّيتُ، فَتَفَكَّرْتُ فِي الْفَقِيرِ الْجَائِعِ، وَالْمَرِيضِ الضَّائِعِ، وَالْعَارِي الْمَجْهُودِ، وَالْيَتِيمِ الْمَكْسُورِ، وَالأَرْمَلَةِ الْوَحِيدَةِ وَالْمَظْلُومِ الْمَقْهُورِ، وَالْغَرِيبِ وَالأَسِيرِ، وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَذِي الْعِيَالِ الْكَثِيرِ، وَالْمَالِ الْقَلِيلِ، وَأَشْبَاهِهِمْ فِي أَقْطَارِ الأَرْضِ وَأَطْرَافِ البِلادِ، فَعَلِمْتُ أَنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ سَيَسْأَلُنِي عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّ خَصْمِي دُونَهُمْ مُحَمَّدٌ - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَخَشِيتُ أَنْ لا يَثْبُتَ لِي حُجَّةٌ عِنْدَ خُصُومَتِهِ، فَرَحِمْتُ نَفْسِي فَبَكَيْتُ»..

فما دمت تبتسمون.. وتضحكون.. وتتنعمون.. فأنتم لم تدركوا بعد خطورة ما أنتم فيه من مسؤولية.. ولم تدركوا أيضاً عُسر الحساب الذي ينتظركم نتيجة تضييع الأمانة..؟! ولا يغرّنكم كثرة المادحين أو «مقبّلي الأيادي» من حولكم، فهم كـ «زينة الطعام» تراهم على كل الموائد.. ولكن لتحسين المنظر ليس إلا...؟!

وصدّقوني... هذه هي الحقيقة التي لا ترغبون برؤيتها والاعتراف بها، وأخشى ما أخشاه أن يأتي يوم تجبرون فيه على مواجهتها، ولكن بعد فوات الأوان..؟!