بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 أيلول 2023 12:00ص مع اقتراب ذكرى المولد النبوي الشريف أي علاقة نريدها مع السنّة النبوية الشريفة؟

حجم الخط
تُمثّل السنّة النبوية الشريفة، المصدر الثاني من مصادر التشريع في الإسلام، وللأسف فإن الفكر الشعبي الموروث قد أخطأ وأساء كثيراً إلى سنّة النبي صلى الله عليه وسلم  سواء من حيث الفهم، أو من حيث التعامل معها، أو من حيث العمل بها.
فالسنّة النبوية يعرفها العلماء بأنها ما أُثر عن النَّبي صلى الله عليه وسلم  من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة، أو سيرة، وبعيدا عن الخلاف الحاصل بين المحدّثين والأصوليين والفقهاء في تعريف السنّة النبوية, لا بد لنا من إعادة النظر في طبيعة علاقتنا معها حتى لا ننحرف بأدوارنا من تابعين لها إلى مسيئين لها ومنفّرين عنها، فالناس، وبناءً على فساد الموروثات الشعبية، باتت تتقبّل أيّ كلام يسبقه قول أحدهم (قال النبي)، كما تتقبّل العمل بأي عمل يُنسب إليه، دون أن يكلفوا أنفسهم جهد التحرّي والبحث والتأكّد من صحة ما يصلهم، أو من صدق نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

آفات لا بد التخلّص منها

ومن هنا فإن أبرز ما نعاني منه في علاقتنا مع السنّة النبوية الشريفة هو:
أولا: التمسّك بكلام نُسب إلى النبي مع وضوح مخالفته للقرآن الكريم، فلا توجد سنّة صحيحة تعارض القرآن، وإن صحّت عنعناتها ورواتها ورجالها، إذ كيف يمكن أن يصدق عاقل أن النبي صلى الله عليه وسلم  الذي أتى بالرسالة من رب العالمين، يقول ويعمل بما يخالف أمر الله تعالى، ومنه مثلا الزعم أن النبي حاول الانتحار، وهو ما يعرف بحديث التردّي.
ومنه ثانياً، عدم التمييز بين الوسيلة المتغيّرة والهدف الثابت، فالوسائل تتغيّر من عصر إلى عصر، ومن زمن إلى زمن، وتتطوّر حسب معطيات كل عصر، لذا ينبغي أن نفهم السنّة دون الالتفات لهذا الأمر، ومثال ذلك مسألة الأكل بالأصابع واعتبار الأكل بالملعقة خلاف للسنّة، ومثاله أيضاً ترك التداوي بما توصل إليه العلم من علاجات، واعتبار الحجامة سنة نبوية محققة الفائدة..!؟
ومنه ثالثاً، عدم التفريق بين الحقيقة والمجاز في منطوق الحديث، وأخذ النص على ظاهره، كحديث «أسرَعُكُنَّ لُحوقاً بي أطوَلُكُنَّ يداً»، فيعتقدون أن المقصود طول اليد عند أمهات المؤمنين..!؟، بينما المقصود منه فعل الخير.
ومنه رابعاً، عدم التأكّد من مدلول الألفاظ: فكم وكم من لفظ جاء في حديث نبوي، ثم فسِّر خطأ، ثم بُني على هذا الفهم من الأحكام الشرعية ما لم ينزل الله بها من سلطان، ومنها مثلا تلك الأحاديث التي تتعلق بالمصورين، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الذين يَصْنَعُون هذه الصُّور يُعَذَّبُونَ يوم القيامة، يُقال لهم: أَحْيُوا ما خَلَقْتُم»، وحديث: «إن أشدُّ النَّاسِ عذاباً يومَ القيامةِ، المصوِّرونَ» وحديث: «مَن صَوَّرَ صُورَةً، فإنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وليسَ بنَافِخٍ فِيهَا أبَداً»، فهل يمكن لعاقل أن يفهم من هذه الأحاديث، أن مدلولات الكلام هو عن الصور الفوتوغرافية، متناسياً أن المقصود منها هي الأصنام التي تنحت وتُشكّل لتعبد من دون الله في حينها.
هل يمكن لأحد القول أن كلّ من يعمل في ميدان التصوير الفوتوغرافي هو في عذاب أليم يوم القيامة..؟!
وماذا عن مئات ملايين المسلمين الذين يضعون صورهم الشخصية على جوازات سفرهم وعلى بطاقات الشخصية، وعن مئات الملايين غيرهم الذي يحملون في جيوبهم هواتف نقّالة تلتقط الصور التي يحتاجونها..؟!

إصلاح مطلوب

إن الإصرار على التمسّك بالفكر الشعبي الموروث المليء بالأخطاء في التعامل مع السنّة النبوية الشريفة، أوصلنا إلى مرحلة بدأنا نسمع فيها بين صفوف المسلمين من يطالب بإلغاء العمل بالسنّة والاكتفاء بالقرآن فقط..؟!
ورغم أن هذه الدعوة المشبوهة مكشوفة الأهداف وخبيثة الظاهر، فالواجب علينا هو الاعتراف بأن الابتعاد عن الفكر الديني الصحيح، والتعلق المرضي بموروثات الفكر الشعبي في العلاقة مع السنّة النبوية، ساهم في ظهور هذه الدعوة، وفي رواج سوقها بين شبابنا، كما سمح لها بالتسلل إلى نفوسهم.
والكارثة الأكبر أن جهد المعنيين المطلوب بهذا الأمر لم يتقدّم قيد أنملة، بل زادهم تمسّكاً بموروثاتهم، واقتناعاً بفاسدهم، معتبرين أن كل ما يجري هو مؤامرة كبرى، غافلين من أن المتآمر الأول هو أنفسهم التي أساءت العلاقة مع كتاب ربها وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم .
ومن هنا نقول، أنه لم يعد من المقبول عقلا ونقلا، أن تكون مظاهر الاهتمام والعناية بالسنّة النبوية الشريفة عند الناس، هي لحية تطلق وسواك يستعمل قبل كل صلاة وركعات تؤدّى هنا وهناك، ولم يعد من المقبول، أن يكون الالتزام بها عند الكثيرين هو جلباب وقلنسوة وعباءة، كما لم يعد من المقبول أيضاً، أن نتخذ من سوء فهمنا لها باباً لإغفال الأصول الفكرية، ثم تصوير كل مخالف لنا في الفهم وكأنه عدوّ للسنّة.
فسنّة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم  بكل تفاصيلها هي منهج حياة مبارك يشرح لنا كيف نعيش القرآن، وكيف نفكر بالقرآن، وكيف نطبق القرآن، وكيف نعرض القرآن على الناس كلهم، ولذلك كان حديث السيدة عائشة عن حياة النبي في كل أمورها مقتضباً وواضحاً وصريحاً حين قالت: «كان خُلُقُه القُرآنَ».
 
bahaasalam@yahoo.com