بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 آذار 2019 12:04ص مع اقتراب ما يسمَّى بـ «كذبة نيسان»: نحتاج إلى تعزيز ثقافة الصدق التي تبني الثقة في العلاقات والأعمال

حجم الخط
قال تعالى {إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون} وقال المفسرون: أخبر تعالى أن رسوله صلى الله عليه وسلم ليس بمفترٍ ولا كذّاب؛ لأنه إنما يفتري الكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم شرار الخلق الذين لا يؤمنون بآيات الله من الكفرة والملحدين المعروفين بالكذب عند الناس، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان أصدق الناس ، وأبرّهم ، وأكملهم علما وعملا وإيمانا وإيقانا، معروفا بالصدق في قومه لا يشك في ذلك أحد منهم بحيث لا يُدعى بينهم إلا «بالصادق الأمين»، ولهذا سأل «هرقل» - ملك الروم - أبا سفيان عن تلك المسائل التي سألها من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيما قال له: «هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟» قال: لا، فقال هرقل: «فما كان ليدع الكذب على الناس ويذهب فيكذب على الله عز وجل».
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان»، ومن هنا قال  العلماء أن هذا الحديث معناه أن هذه الخصال خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال، ومتخلّق بأخلاقهم، وقوله صلى الله عليه وسلم «كان منافقا خالصا» معناه: شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال، قال بعض العلماء: وهذا فيمن كانت هذه الخصال غالبة عليه، فأما من يندر ذلك منه فليس داخلا فيه. فهذا هو المختار في معنى الحديث، وقد نقل الإمام أبو عيسى الترمذي رضي الله عنه معناه عن العلماء مطلقا فقال: إنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل.
ولكن في هذه الأيام اعتاد المجتمع على ما يعرف بكذبة نيسان وراحوا يسعون للإيقاع ببعضهم البعض والكذب على المجتمع تحت ستار المزاح..؟!
الخانجي
{ بداية، قال الشيخ محمد الخانجي: إن مِنْ عَظيمِ الصِّفاتِ التي أمرَ اللهُ تعالى بها وحثَّ عليها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصِّدقُ، ومِن أَخْبَثِ الصِّفاتِ التي نَهَى عَنْهَا الكَذِبُ، فقد روى الإمامُ مسلمٌ في صَحيحِهِ عَنْ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رضي الله عنه أنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (عليكم بالصِّدقِ فإنَّ الصِّدقَ يَهدِي إلى البِرِّ وإنَّ البِرَّ يَهدِي إلى الجنة، وما يَزَالُ الرجل يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِدْقَ حتى يُكتَبَ عِندَ اللهِ صِدِّيقا، وإيَّاكم والكَذِبَ فإنَّ الكذِبَ يَهدِي إلى الفجورِ) أي هو وسيلة إلى ذلك، أي طريقٌ يوُصل إلى ذلك  وإنَّ الفجورَ يهدِي إلى النَّارِ وما يزالُ الرجل يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الكَذِبَ حتى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًّا، وقال العلماء: معناه: إن الصدق يهدي إلى العمل الصالح الخالص من كل مذموم، والبر اسم جامع للخير كله. وأما الكذب فيوصل إلى الفجور، وهو الميل عن الاستقامة. وقيل: الانبعاث في المعاصي.
وقال: الكذب هو الكلام على خلاف الواقع إذا كان يعلم أنه بخلاف الواقع، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم ورهّب من الكذب لأنه يوصل إلى الفجور وهو الميل إلى الفساد والشرور. وإذا تكرر الكذب أصبح عادة وطبيعة يصعب الخلاص منها وعندها يُكتب الإنسان كذابا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا مع الصادقين.
والكذِب سواءٌ قاله مازِحاً أو جاداً حرامٌ، إن أرادَ أن يُضحَكَ القوم أم لا، فهذا حرام، قال عليه الصلاة والسلام عنِ الكَذِبِ: «لا يَصْلُحُ الكَذِبُ في جِدٍّ ولا هَزْل» وقال عليه الصلاة والسلام: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ القَوْمَ ثم يَكْذِبُ لِيُضْحِكَهُم وَيْلٌ لَهُ ووَيْلٌ لهُ» فمما ينبغي أن يُحَذَّرَ منه إخوةَ الإيمانِ ما يُسمِّيهِ بعضُ الناسِ كَذْبَةَ أوَّلِ نَيسان فالكَذِبُ المحرَّمُ حرامٌ في أولِ نيسان وفي غَيرِه. ويحصُلُ فيه وفي كثيرٍ مِنَ الأَحيانِ تَرويعٌ للمسلمِ فيقولُ له الكاذبُ مَثلاً إنَّ ابنَكَ ماتَ أو حَصَلَ مَعَ زَوجَتِكَ كذا وكذا، فيُخِيفُهُ وَيُرَوِّعُهُ والعياذُ بالله تعالى، فالكَذِبُ لا يَصْلُحُ في جِدٍّ ولا في هَزْلٍ أي مَزْحٍ ولو كان المقصَدُ إضحاكَ الحاضرين ولو لم يَكُنْ فيهِ إيذاءٌ للنَّاسِ فهو حرام ولقد قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «إِنِّي لأَمْزحُ وَلا أَقُولُ إلا حَقّا» فَأَخبَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حَدِيثِهِ هذا أَنَّهُ يمزَحُ ولكِنْ لا يَقُولُ إِلا حَقًّا أي أنَّ الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم لا يَكْذِبُ، كما ونحذِّر مِن قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ «الكَذِبُ مِلْحُ الرِّجال» لأن فيه استحسان لما هو معلوم بين المسلمين قُبْحُهُ في الدين، فالمطلوب أن يعرف كل منا  الحلال من الحرام وأن يلتزم به ولا يتهاون في حدود الله تعالى.
خطاب
{ أما الشيخ علي خطاب إمام وخطيب مسجد عبد الرحمن بن عوف فقال أن الكذب عملٌ مرذول وصفةٌ ذميمةٌ من صفات النفاق وشعب الكفر عياذاً بالله، والكذب دليلٌ على ضعة النفس ونزع الثقة وحقارة الشأن، ولذا قال العلماء «والكذب جماع كل شرٍّ وأصل كل ذمٍّ لسوء عواقبه وخبث نتائجه».. وقال الحسن البصري: «الكذب جماع النفاق».. ويقابل ذلك فضيلة الصدق في النقل والأخبار، حيث يغرس الود والتراحم في القلوب ويثمر التآخي الذي لا يعتريه لغوبٌ ويتوجه بجزاء علام الغيوب ليجزي الله الصادقين بصدقهم.. وفي هذه الآونة من أعقاب الزمن قد انتشرت الأخبار الكاذبة والملفقة وانخدع الناس بها  تحت ستار المزاح و الضحك، وأكبر خطر في هذا الأمر أننا نربي أبناءنا على قيم فاسدة ومبادئ باطلة، فنصور لهم الكذب وكأنه أمر هيّن، وبالتالي يتحوّل هذا السلوك إلى مبدأ في حياتهم فيلتزمون به ظنا منهم أنه أمر عادي ولا شيء فيه، حتى إذا صاروا في مراحل الرجولة اندمج الكذب بنفسهم فصار أسلوب حياة..؟!
وأضاف: والمؤسف أننا روّجنا لهذا الكذب في كل الوسائل الإعلامية، وتعاملنا معه على أنه أمر ظريف وطريف ولا مانع به، ولذا جعلناه ألوانا.. كذب أبيض وكذب أسود وآخر رمادي.. مما يدل على أننا فقدنا بوصلة الحق في كثير من أمور حياتنا، بل إننا حولنا الكذب من خلال وسائل الإعلام وأيضا من خلال مواقع التواصل الحديثة إلى نوع من التسلية للأسف وجعلناه عادة في بلادنا ناسين كل السلبيات التي تنعكس علينا وعلى أبنائنا من وراء هذا الأمر.
واختتم: أدعو كل الناس إلى عدم الالتفات إلى هذه الرذائل التي استوطنت مجتمعنا، وأن نبدأ فورا في تغيير الواقع إلى ما هو أفضل فنحن نحتاج إلى الصدق في كل أمور حياتنا لا سيما في الفترة التي نحن فيها.