بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 كانون الأول 2023 12:00ص مع بدء موسم الشعوذة السنوي.. دلالات يأس استغلّها الفاسدون وسَكتَ عنها المسؤولون

حجم الخط
ما أن تبدأ السنة بلملمة شهورها وأيامها تمهيدا لإعلان انقضائها واقتراب عام جديد حتى تمتلئ وسائل الإعلام بجمهرة غير قليلة من المشعوذين الذين يستغلّون حاجات الناس ومشاكلهم ليدلوا كل واحد منهم بدلوه الفاسد في عقول المشاهدين وطبعا... دون حسيب أو رقيب؟!..
والأدهى.. أنه ومع مرور الأيام التي تسلّط فيها الجهل على كثير من الناس، أصبحت هذه الشعوذة تُسمّى (علم).. مرة يقولون علم الأبراج... ومرة أخرى علم التاروت.. ومرة ثالثة علم الفلك... وكل ذلك كذب وكذب وكذب..
فالأبراج والكواكب والمجرّات كل علاقتنا بها أنها من آيات الله تعالى التي تلعب دورا في حركة الكون المخلوق، وعلم الفلك يهتم بدراسة الظواهر الفلكية والأجرام السماوية وتحركاتها وما شابه...
أما ما يروَّج زورا وبهتانا من أن حركة الكوكب الفلاني تؤثر على مستقبل إنسان فتزيد من رزقه وتفتح له أبواب المجد وتسهّل له سبل النجاح وتكتب له الحياة لزوجة سعيدة وما إلى ذلك من ترّهات، فتلك مصيبة ابتلينا بها... والبلاء الأكبر أنه هناك من يصدّقها ويتابعها ويؤمن بها..؟!
ولكن دعونا ننحي دجل هؤلاء جانبا ونسأل استنكارا لا استفهاما..
لماذا تحوّل مجتمعنا بأكمله إلى (مجتمع مشعوذ) يعتمد على التوقعات والظنّ في كل أموره.. وكلنا نعلم أن الظن.. أكذب الحديث..!!
ولماذا يتابع غالبية الناس هذه البرامج والحوارات، وهم يعلمون يقينا أنها كذب وافتراء..!؟
فرغم كل التحذيرات الإسلامية التي يرددها الكثيرون من الدعاة وعلماء الاجتماع المختصون حول فساد هذا الأمر ما زال الوضع كما هو عليه، بل... ازداد سوءا فتحوّلت تلك البرامج من كونها في السنة مرة.. إلى الشهر مرة.. حتى وصلنا إلى كل الأسبوع مرة.. والآتي أعظم..؟!
طبعا.. لا نبرّأ وسائل الإعلام من المسؤولية المباشرة والواضحة، بل لا يمكن السكوت عنها أبدا، خاصة حين تصبح هذه البرامج وسيلة للكسب السريع وإن أدّت إلى فساد جيل عريض وتضييع آخر..!!
أما المسؤولية الأكبر... تقع على عاتق الأهل أولا.. وعلى الدعاة ثانياً..
فالأهل الحديث عنهم ذو شجون، إذ بين هموم الحياة المتثاقلة عليهم في بلد مليئة بالتحدّيات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية خفّ أثرهم وصغر دورهم، فإذا ما أضفنا ضعف الوازع الديني وشبه انعدام الرقابة الإسلامية الذاتية لأدركنا حجم الكارثة التي تحيط بنا.
وأما الدعاة «فالمشهد الانقلابي المظلم» الذي نعيش في ظله لا يمكنـّنا من الاعتماد عليهم كثيرا، فلقد انشغل كثير منهم بـ«فروع الفروع» عن الأصول، حتى أصبحوا هم أنفسهم بأدوارهم ومكاناتهم من «فروع فروع» المجتمع بدلا من أن يكونوا من «أصوله».. بل إن بعضهم قد «ساير» الواقع فخلع لباس الدعوة وارتدي لباس الشعوذة...!؟

دلالة اليأس

وهنا اسمحوا لي أن أقول - وليس تبريراً لفساد الفاسدين وإنما قراءة لواقع مرير نعيش فيه - أن غالبية من يتابع هذه البرامج، تأتي متابعته دلالة على اليأس الذي سيطر على نفسه وفكره وحياته، حتى بات كالغريق يبحث عن قشة يتفاءل بها..!؟
أناس يئسوا من واقع بلادهم.. وحكّامهم.. واقتصادهم.. وفساد الحياة الذي شاع من حولهم.. فراحوا يبحثون بين كلام المشعوذين عن أمل هنا أو تفاؤل هناك...
هو خطأ.. نعم.. 
ولكنهم في ظل انقلاب المعايير.. يرونه طريقا قد يصلون من خلاله إلى رضى نفسي يهوّن عليهم (لبنانيّة) العيش الذليل المحيط بهم من كل حدب صوب..
ولذلك نقول أننا أمام مشهد كارثي بكل المعايير...
إعلام متفلّت.. يعرض ما يشاء كيفما يشاء...!!
وأولياء أمور.. مثقلون بأعباء فوق طاقتهم...!!
وأبناء منفتحون على العالم بأسره دون رقيب..!!
ومعممون.. لا يتحثون إلّا عن نواقض الوضوء... ومصالحهم الخاصة..!!
فمن سيواجه مأساوية هذا الواقع ..؟!

المطلوب كبير والمتاح قليل

إن المطلوب من الجميع دون استثناء كبير جدا..
مطلوب من الأجهزة الرسمية.. ومن المنظمات الأهلية.. ومن المجتمع المدني.. ومن المسؤولين عن التربية والتعليم تحرك «قانوني - مجتمعي - تربوي» يقي أبنائنا وإخواننا الوقوع ضحايا فحيح الشعوذة ودعاتها..
والمطلوب أيضا.. ثقافة مجتمعية عامة نبدأ بها من الآن حتى نرى آثارها بعد سنوات.. تدّعم بمناهج تعليمية جديدة تمنع استغلال كل طامع لفكر وعقل وظروف فلذات أكبادنا..
والمطلوب.. تحرك علمائي «إسلامي - مسيحي» يمنع استمرار مسلسل الدجل الإعلامي الذي يبدو أنه جاء نتيجة تحالف (الثروة مع الجهل) لتحقيق المصالح المادية للمشتركين فيه..!؟
فنحن في هذه الحياة وتحديدا في لبنان... مطالبون بدراسة الواقع وتدبّر أحداثه حسب المقدمات والمعطيات حتى نستطيع التخطيط الفعّال والناجح لمستقبل البلاد والعباد..!!
وإذا كان على البشر - كل البشر - أن يدرسوا وأن يحللوا وقائع حياتهم وليس توقعات مهلوسيهم.. ثم يستنبطوا من عِبَر الماضي ومن دروس الحاضر ما يؤهّلهم للأخذ بالأسباب ثم غرس أسس المستقبل بأسلوب إيماني وعقلي وعلمي صحيح.. فكيف بنا نحن في لبنان وما أدراك ما لبنان وما أحوال لبنان..؟!
كلنا نعلم.. أن كثيرا من الناس قد اعتمد على شعوذة المشعوذين فكانت النتيجة أنه ضلّ وأضلّ.. ففسد وأفسد.. ثم ضاع وأضاع... فهل المطلوب أن يصل هذا الضياع إلى جيل هو بالأصل يعيش في جو من الضياع الوطني والفكري والنفسي والديني..؟!
أيها السادة الكرام.. أعلم تمام العلم أن ما سبق من تساؤلات.. ينبغي أن تكون الإجابة عليها عملية وتطبيقية.. ولكن بما أننا في (لبنان).. فالتأكيد الوحيد هو أن الإجابات إن صدرت فستكون أقوالا، لأننا كما تعوّدنا نقول ولا نفعل..؟!

BAHAASALAM@YAHOO.COM