بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 نيسان 2018 12:05ص مع دخول شهر شعبان إعلاناً باقتراب شهر رمضان

شهر إنهاء كل التحصيرات لنكون على مستوى استقبال خير الشهور

حجم الخط
ورد في السيرة النبوية أن رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام كان يُكثر الصيام في شهر شعبان أكثر من أيّ شهر آخر، فقد قالت أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها :»ما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر قط إلّا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان».. نظراً لأنّ شهر شعبان يكون مقدمةً لشهر رمضان، فيكون الصيام فيه كتمرينٍ، وبذلك يكون قد اعتاد عليه، حتى لا يكون في صيام شهر رمضان مشقّة وتعب وكلفة على الناس، بل يُقبلون عليه بكلّ همّة ونشاط. 
ومن هنا قال ابن القيم في صوم شهر شعبان أنّه تعظيم لشهر رمضان وهو الشهر الذي تُرفع به الأعمال إلى الله تعالى، لقوله عليه الصلاة والسّلام: «ذلك شهر يغفل النّاس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى ربّ العالمين، فأُحبّ أن يُرفع عملي وأنا صائم».

أبو مرعي
{ بداية قال الشيخ علي أبو مرعي: فضَّل الله عزَّ وجلَّ بعضَ الأزمنة على بعضها، وخصَّ بعض الأوقات بأجور دون غيرها، فكان شهر رمضان خيرَ الشهور، وليلة القَدْر أكرم الليالي، وساعات الليل الأخيرة أفضلَ الساعات؛ قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، وعن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قال النبيُّ  صلى الله عليه وسلم : «مَن قام ليلة القدْر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذَنبه، ومَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه) وعنه أيضًا قال رسولُ الله  صلى الله عليه وسلم : « يَنزِل ربُّنا تبارك وتعالى كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا حين يَبقَى ثُلُث الليل الآخر، فيقول: مَن يدعوني فأستجيبَ له؟ ومَن يسألني فأعطيَه؟ ومَن يستغفرني فأغفرَ له؟» (متفق عليه).
من أجل ذلك حثَّنا الله عزَّ وجلَّ ورسوله  صلى الله عليه وسلم  على عمارةِ هذه الأوقات بالطاعات، والإكثار مِن العبادات، لما لها مِن فضل وتكريم، ومنها: يوم الجمعة، ويوم عرفة، والثلاثة مِن كل شهر، والعشر مِن ذي الحجَّة، والست من شوال، وغيرها.
وقد خصَّ الله عزَّ وجلَّ شهر شعبان بفضيلة رفْع أعمال العباد فيه، ولأجل هذه الفضيلة فقدْ كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يخصُّ هذا الشهر بالصيام أكثرَ مِن غيره ما خلا رمضان، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسولَ الله، لم أرَك تصوم شهرًا مِن الشهور ما تصومُ مِن شعبان؟! قال: «ذلك شهرٌ يغفُل الناس عنه بين رجَب ورمضان، وهو شهرٌ تُرفَع فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين، فأحبُّ أن يُرفَع عمِلي وأنا صائِم).
وفي الصحيحين عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «ما رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم استكملَ صِيامَ شهر قطُّ إلاَّ رَمَضان، وَما رَأَيْتُهُ في شَهْرٍ أكْثَرَ مِنه صِيَامًا في شَعْبَان» .
وأضاف: وكذا، فمِن الطاعات والعبادات المستحبة في شعبان الإكثارُ مِن صلاة النَّفل، والصدقة وتلاوة القرآن، فهذا عمرو بن قيس الملائي رحمه الله تعالى كان إذا دخَل شعبان أغْلَق حانوته وتفرَّغ لقِراءة القرآن في شعبان ورمضان، وكان الحسنُ بن شهيل رحمه الله تعالى يُكثر فيهما مِن قراءة القرآن، ويقول: «ربِّ جعلتني بين شهرين عظيمين».
وكما أنَّ الإكثار مِن العبادات مستحبٌّ في الأزمنة والأمكِنة الفاضلة، فإنَّ ترْك المحرمات واجبٌ مؤكَّد فيها، فكما أنَّ الحسنات تضاعف في هذه الأوقات والأماكن، فإنَّ السيئات تضاعَف فيها، لذا على العبد أن يبادرَ إلى نبْذ المحرَّمات في هذا الشهر الكريم، فإنَّ الأعمال ترفع فيه، ولعلَّها تكون آخِر أعمال العبد المرفوعة فيُختَم له بالسوء عافانا الله.
واختتم بالقول: قال الحافظ ابنُ رجب رحمه الله: «قوله  صلى الله عليه وسلم : «شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عنه» فيه دليلٌ على استحباب عمارة أوقاتِ غفْلة الناس بالطاعة، وأنَّ ذلك محبوبٌ عندَ الله عزَّ وجلَّ، ومِن الفوائد المرجوَّة مِن الصيام في هذا الشهر: توطين النفس وتهيئتها لصيام رمضان، فإذا أقْبل رمضان كانتْ مستعدَّة لصيامه بقوَّة ونشاط، قادِرة عليه دون عناءٍ وتكلُّف، متأهِّبة لغيره مِن العبادات والطاعات، فتعظيم شعبان مِن تعظيم رمضان كالسُّنة القبليَّة للصلاة المفروضة، تعظيمًا لحقها، وتأهبًا لأدائها، ولله درُّ عمار بن ياسر رضي الله عنه فقد روي أنه كان يتهيأ لصوم شعبان، كما يتهيأ لصوم رمضان.
قوزي
{ أما الشيخ مازن قوزي رئيس دائرة المساجد في المديرية العامة للأوقاف الاسلامية فقال: 
شهر شعبان هو شهرالاستعداد لشهر رمضان المبارك الذي علينا فيه أن نجهز أنفسنا لاستقبال خير الضيوف كما يليق، فالعبد العاقل هو الذى يأخذ من حياته لمماته ومن دنياه لأخراه فالدنيا مزرعة الآخرة وهى ساعة فليجعلها طاعة، ومن رحمة الله تعالى علينا أن جعل لنا مواسم فيها نفحات لمن يتعرض لها ويغتنمها  يفرح بها المؤمنون ويتسابق فيها الصالحون ويرجع فيها المذنبون ويتوب الله على من تاب «وفى ذلك فليتنافس المتنافسون».
وأضاف: وفي شعبان يستحب الاكثار من تلاوة القرآن الكريم لقول سلمة بن كهيل الخضرميّ الكوفيّ التابعيّ أنّ القوم كانوا إذا جاء شعر شعبان تفرّغوا لقراءة القرآن، وتدبّره، والعمل به حتى سُمّي بشهر القرّاء، فشعبان شهر الأعمال الصالحات والطاعات التي تقرّب العبد من ربه تعالى، وهناك الكثير من الأعمال التي يمكن أن يقوم بها العبد المسلم، ومنها الصدقة ولو بشقّ تمرة، وصلاة النوافل وقيام الليل، والأذكار وهي الباقيات الصالحات، وإخراج زكاة الأموال، ودعاء الله تعالى، فكان السّلف الصالح يتركون مشاغل الدنيا، ويقبلون على الله بجميع الأعمال التي تقرّب إليه وكل ذلك حتى يدخلوا رمضان وهم مستعدون تمام الاستعداد.
وتابع بالقول: إننا في شهر شعبان أشبه بالجنود الذين يلتحقون بالمعسكَرات الإيمانية حتى يتدربوا فيها قدرَ الاستطاعة  فإذا ما جاء رمضان كنا على أهبة الاستعداد للقيام بما هو واجب علينا.
فنحن ندخل مُعَسكَر الصيام في شعبان حتى نخفف من مَشَقَة الصيام في رمضان.. 
وندخل مُعَسكَر الدعاء في شعبان لنكون في طاعة وحالة مستمرة من الذكر.. 
وندخل مُعَسكَر القيام حتى نُعَوِّد أنفسنا فإذا ما دخل رمضان كنا معتادين على القيام، فحققنا معنى قوله  صلى الله عليه وسلم  (إيماناً واحتساباً) التي جعلها النبي  صلى الله عليه وسلم  شرطاً لمغفرة ما تقدم من ذنبك حينما قال: (مَن قامَ رمضان إيماناً واحتسابا غُفِرَ له ما تقدمَ من ذنبه)...
وأيضا ندخل معَسكَر العلم الذي أمرنا به الله تعالى فقال {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} فنتعلم الأحكام الفِقهيَّة للصيام قبل دخول رمضان حتى نعبد اللهَ على بَصِيرة.