بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 تشرين الثاني 2023 12:00ص مفهوم الاستقلال الذي نريده

حجم الخط
إذا كان الاستقلال بالمفهوم البسيط يعني خلو البلاد من استعمار أجنبي مقيم، فإنه كما نفهمه بالمعنى الإسلامي - إن صحّ التعبير - رفعة النفس عن كل شهوة أو غريزة تحتلّ الإنسان أو تسيطر على مقدراته وملكاته وتجعله عبدا لها أو لغيرها لا يتصرف ولا يتحرك إلّا وفق هواها...
ومن هنا نقول أن ذكرى استقلال البلاد هذا العام - كأعوام سابقة طويلة بكل أسف - تأتي وسط أجواء مليئة بالحزن.. وبالألم.. وبالخوف.. وبالقلق.. وبالظلم.. وبالقهر.. مما يجري على أرض الوطن من أحداث لا تسرّ حبيباً.. ولكنها بكل التأكيد تفرح العدو..!!
وأعتقد أننا بحاجة كبيرة إلى تجديد مفهوم الاستقلال في فكرنا كمواطنين لبنانيين..
فالاستقلال في ديننا، والذي نفهمه ونريده.. هو هذا القائم على استقلال النفوس أولا قبل استقلال الأراضي، لأن النفوس المحتلة أيّا كان مركزها أو منصبها أو سطوتها، لا يمكن أبدا أن تقدّم لبلادها الحرية والسيادة والاستقلال، بالتالي لا يمكن أن تكون نفوسنا مستقلة إلّا إذا التزمنا بقول الحق تبارك وتعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}.
فالإيمان بمعناه الشامل، ونقصد به الإيمان القلبي - القولي - السلوكي الصحيح والواعي والسليم، هو الطريق السليم الوحيد الذي يضمن لبلادنا الاستقلال والحرية ويضمن أيضا لشعبنا الرقيّ والتقدّم، وطبعا.. لا أعني بالإيمان هنا ما يصرّ البعض على فهمه بالانغلاق أو التكفير أو رفض الآخر أو قتال المخالف، وكذلك لا أعني به ما يفهمه ضعاف الفكر من أنه تسيّب أو تنازل عن الحق، وإنما أعني به الإيمان الذي قال الله تعالى عنه: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.
ألسنا مفتقدين للأمن بكل معانيه الاجتماعية والغذائية والصحية والأمنية والاقتصادية، بل وحتى الأمن النفسي أيها السادة...؟!
ألم نلبس إيماننا بظلم بيّن وخلطناه بعوج ظاهر... ففقدنا الأمن والأمان.. وطبعا.. ما كنا مهتدين..؟!
ومن كارثية المشهد أننا فسرنا هذا (المرض الفكري) وجعلناه أصلا في حياتنا، فرفضنا كل مظاهر الاستقلال الحقيقي وتمسّكنا زورا وبهتانا و«مصلحة» بالاستقلال السطحي.. فما جنينا سوى الخيبة..؟!
أيها السادة المحترمون في بلادنا...
الاستقلال الحقيقي، هو حين يعيش آباؤنا وأمهاتنا في عزّ وفي كرامة وفي احترام لشخوصهم الكبيرة، فلا يشعرون بالذلّ عند كل حاجة يريدونها..؟!
والاستقلال الحقيقي، هو حين نرى شبابنا يتمسّك بتراب الوطن ويرفض مغادرته مهما كانت الاغراءات.. لأنه يرى فيه إنسانيته التي لا يراها خارج البلاد..
والاستقلال الحقيقي، حين ينشأ الأبناء في أجواء عادلة تمنحهم حق التعليم وحق الطبابة وحق الفرح، وقبل ذلك تؤمّن لهم حق التمتع بطفولتهم دون خوف أو قلق أو توتر، ليكونوا أجيالا عاشت معنى الاستقلال..؟!
والاستقلال الحقيقي، هو أيضا أن يتربّى الشباب في وطن لا يمنعهم من حق الطموح ومن حق الحلم بمستقبل مشرق على أرض بلادهم، التي للأسف أصبحت قاتلة لكل طامح بغدٍ أفضل..؟!
والاستقلال الحقيقي أيها السادة... ليس أن تنال طائفتي مناصب سيادية، أو تسيطر الطائفة الأخرى على المراكز القيادية، ثم يجتمعون في كذب واضح ليحتفلوا بـ«استقلالهم» الذي يزعمون، بينما الشعب بمختلف طوائفه وانتماءاته يعاني من احتلال معيشي وطبي وتعليمي واقتصادي واجتماعي غاشم في لا يرقب فينا إلّاً ولا ذمة..؟!
إن الاستقلال الحقيقي... هو أن نعيش في وطننا آمنين كبشر لنا كرامتنا..
وأي استقلال بلا كرامة ليس سوى كذب يروّج له... وللأسف من يصدّق في بلادي كُثر..؟!