بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 آب 2018 12:05ص من أهداف الحج ومقاصده

حجم الخط
الشيخ د.يوسف جمعة سلامة*

يقول الله تعالى في كتابه الكريم :  {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ}.
جاء في كتاب صفوة التفاسير للصابوني في تفسير الآية السابقة: {الحج أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} أي وقت الحج هو تلك الأشهر المعروفة بين الناس، وهي: شوال وذو القعدة وعشرٌ من ذي الحجة {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحج}، أي من ألزم نفسه الحجَّ بالإحرام والتلبية {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحج}، أي لا يقرب النساء ولا يستمتع بهن فإنه مقبل على الله قاصد لرضاه، فعليه أن يترك الشهوات، وأن يترك المعاصي والجدال والخصام مع الرفقاء {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ الله}، أي وما تقدموا لأنفسكم من خير يجازيكم عليه الله خير الجزاء {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى}، أي تزودوا لآخرتكم بالتقوى فإنها خير زاد {وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ}، أي خافون واتقوا عقابي يا ذوي العقول والأفهام].
إن الحج مدرسة مهمة لتربية النفس على الأخلاق الفاضلة، حيث يتربى المرء على هذه الصفات الكريمة والأخلاق النبيلة، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال  (مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ).
الحج سبب في تكفير الذنوب
إن حج بيت الله الحرام من أعظم القربات وأجلّ الطاعات، وقد ورد فيه فضائل كثيرة تدلُّ على عظيم مكانته وكبير فضله ، فمن ذلك أن الحج سببٌ لتكفير الذنوب، كما جاء في الحديث عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله   صلى الله عليه وسلم : (تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَة، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ،وَلَيْسَ للْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إلا الْجَنَّةِ).
فما أعظم الحج وما أعظم ثوابه؟! ويكفي أن نذكر هنا ما قاله عمرو بن العاص- رضي الله عنه – عندما كان على فراش الموت، حيث قال: (.....فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الإِسْلامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ  صلى الله عليه وسلم  فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ-  قَالَ- فَقَبَضْتُ يَدِي،  قَالَ: مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟،  قَالَ: قُلْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ، قَالَ: تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟ قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟...).
الحج مؤتمر عالمي
 إن الحج مؤتمر عالمي يتلاقى فيه المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها، فتنصهر الأخوة الإسلامية وتذوب في حرارتها النزعات القومية، وفي الحج يتجلى معنى الوحدة الإيمانية بين المسلمين، فربهم واحد، ونبيهم واحد، وعملهم واحد، وهدفهم واحد، فأي وحدة أعمق من هذه وأبعد غورا؟، كما تتجلى المساواة في أقوى صورها فلا عنصرية ولا عصبية للون أو جنس، هذا المؤتمر العتيد الذي  يتكرر كل عام مرة ويُعْقد في الأرض المباركة بجوار الكعبة تحت شعار «أمة واحدة» كما في قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}.
 ووحدة المسلمين في الحج تشمل عدة مظاهر من الوحدة يتعايش الناس على ضوئها:
1-  وحدة الأصل :-  كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، وفي الحديث: (أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَر ، إِلا بِالتَّقْوَى).
2- وحدة الزمان :-  كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}.
3- وحدة المكان: كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ}، وقوله سبحانه وتعالى أيضاً: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}.
4- وحدة في الشكل والمظهر تتجلى في لباس الإحرام المُكَوَّن من إزارٍ ورداءٍ أبيضين هو لباس كل الحجيج استعاضوا به عن لباسهم المعتاد في حياتهم العادية.
ومن الجدير بالذكر أن الحج يستمد عالميته من عالمية الإسلام الذي جاء رحمة للناس كافة،كما في قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، وقوله سبحانه وتعالى أيضاً: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.
فضل الحج والعمرة
الحج ركن من أركان الإسلام لقوله تعالى: { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، ولقوله  صلى الله عليه وسلم : ( بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ).
ومن المعلوم أن الحج من أفضل العبادات، وهو أحد أركان الإسلام التي لا يتم دينُ العبدِ إلا بها، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}.
فالحج من أفضل الأعمال:عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: (سُئِل رسول الله   صلى الله عليه وسلم : (أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّه. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حجٌّ مَبْرُورٌ).
والحج يعدل الجهاد في سبيل الله: عن عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها - أنها  قالت: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ، أَفَلا نُجَاهِدُ؟ قَالَ: لا، لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ).
والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة: عن أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي  صلى الله عليه وسلم   قال: (العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الجَنَّةَ).
كما أن العمرة عبادة عظيمة فيها منافع كثيرة، نذكر منها:
العمرة تكفر الذنوب: عن أبي هريرة – رضي الله عنه- أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم   قال:( العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الجَنَّةَ).
الحجاج والعمّارُ وفدُ الله:عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله   صلى الله عليه وسلم : (الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ، إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ، وَإِنِ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ).
حجاجنا الكرام: يا من يسّر الله لكم الحج في هذا العام، أسأل الله أن يتقبل حجكم، وأن يردكم سالمين إلى أوطانكم، وكلنا ثقة وأمل فيكم  وأنتم تنعمون بالصلاة في المسجد النبوي الشريف، والطواف حول الكعبة المشرفة، أن تتذكروا أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين المسجد الأقصى الأسير، وأن تتضرعــــوا إلى الله بالدعـــــاء بأن يفكّ أسره، كما تسألوه سبحانه وتعالى أن يجمع شمل الأمتين العربية والإسلامية، وأن يوحد كلمتهم، ويؤلف بين قلوبهم، إنه سميع قريب، ونسأل الله تعالى للحجاج الكرام حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً، وتجارة لن تبور.

* خطيب المسجد الأقصى المبارك النائب الأول المنتخب لرئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس.