كانت أمنية عند أجيال المسلمين، منذ أن سقطت «غرناطة» وتحوّل قصرُ الحمراء إلى «مزار»، ومنذ أن هُجِّر سكان «صقلية» في (إيطاليا) و«كريت» في (اليونان) و«حيفا» و«يافا» و«تل أبيب» وسائر البلدات وقرى فلسطين وقبلها منذ زمن حُوِّلَ مسجدُ آيا صوفيا (في تركيا)، غير المصادر أو المحتل، والمملوك من خاصة مال السلطان «محمد الفاتح» الكبير، فأوقفه، رحمه الله، مسجداً جامعاً. لكن منذ عام 1934 وبقرار سياسي حوّلوه ظلماً وقهراً، إلى متحف؟!!
كانت أماني وأحلام المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن تشهد تلك المعالم من جديد الأذان والصلاة، كما كانت في قرون خلت. فإذا بسكان العالم بأسره اليوم، يشهدون في نهاية العام الهجري 1441 في الثالث من ذي الحجة يومَ الجمعة 24/7/2020، تحققَ ذلك الأمل المفقود، فعاد «آيا صوفيا» إلى مسجد جامع بقرارٍ قضائي التزمت بتنفيذه الرئاسة التركية المباركة. فشهدنا، كما شهد العالم، ظهيرة ذلك اليوم المبارك الثالث من ذي الحجة 1441هـ. أول صلاة جمعة ٍجامعة فارتفع نداء الأذان (الله اكبر) وأُلْقِيَتْ فيه أولُ خطبة جمعة من جديد وتم أداء الصلاة فيه، حضرها أداءً أكثرُ من ثلث مليون، وشاهدها، مرئياً، ملايين الملايين من أهل الأرض.
عام 1994 زرتُ استنبول، دخلتُ متحف آيا صوفيا، وقفت أتأمله، كدتُ أرى وأسمع صلوات المسلمين، من قبلُ، ودعاءهم. ثم تخيّلتُ عودتَه، من جديد، إلى الصلاة والتكبير، لا بل دخلتُ المحراب، رغم وجود الحراس، وأديتُ للّه تحية المسجد - المتحف، ركعتين خفيفتين، دعوتُ الله سبحانه، بقلب خاشع، أن أراه من جديد وقد عادت جنباته وجدرانه تسمع دعاءَ المصلين من جديد، تكفكف ذراتها الباكية دموعها ويعلو وجوهها الفرح والسعادة والحبور.. لا بل كدْتُ أسمعها تردد (آمين آمين)..
ظهر الجمعة 24 تموز..
ظهر الجمعة 24/7/2020 كدت لا أصدق ما تراه عيناي، وقد بقيتُ في البيت، بسبب عزلةِ (كورونا)، فتحوَّلَ الأمرُ عندي إلى عيد، وصدَّقَتْهُ مُقْلَتايْ بدموعها العابرة للخدود، فأحسستُ أنّها غسلتْ أحزانَ ستّ وثمانين سنة عجاف، فها هو المسجد قد استرجع نضارته وأفراحه، عادت مآذنُه تصدح بنداءِ (الله أكبر) وبالدعوةِ إلى الصلوات الخاشعة.
وإذا بمئات آلاف الناس فيه وحوله، يرددون (آمين آمين)، ومعهم الملايين الملايين في أرض الله الواسعة يشاهدون، عبر الأقمار، رؤيةَ العين الصادقة، أفراحَ يوم الجمعة المجيد، وليبقى، بإذنه تعالى، كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن وما عليها، شاء من شاء وأبى من أبى، ولا يأبى إلا ظالم!!
فرحُنا العامر، كاد يصدِمُه بكاءَ سائرِ المساجد المختطفة في العالم، والتي توقف فيها ذكر (الله أكبر) يحرسُها «حراس» يقبضون أجور «الدخول» إلى تلك «المساجد» الباكية، والضاجة بالدعاء: أن يأتي يوماً ما قضاء عادل و(رجب طيب اردوغان آخر) يعيدها، في لحظةٍ من لحظات الزمن الآتي القريب، إلى أفراحها في الصلاة والتكبير.ومن يعشْ يَرَ... لنْ يخطِئه النظرُ ولا القدر..
وأقول: إن أنا متُّ، فإني بإذن الله شاهد وشهيد: ان مساجدَ الله في أرضهِ ستعود... تعود من جديد تضم المصلين وتضج معهم بالدعاء إلى رب قدير. ومَنْ يعشْ يرَ ذلك اللقاء المجيد وفي يوم قريب قريب.
لن تكون المساجدُ إلا جوامع.. لن تعود سجوناً ولا متاجر ستبقى تصدح بنداء الله اكبر. فليتعلم العالمُ الدرسَ وليخضعَ ما انبلج النهار وولّى الليل الأسود.
ليست المساجد إلا أماكن عبادةٍ للّه الواحد الأحد. فإنْ لم يسمعْ معطلوها في لحظات الزمن الرديء، سيسمعُها أولادُهم أو أحفادُهم أو الذين سيأتون من بعدهم عندئذ سيفرح المؤمنون، في الزمن القريب أو البعيد، بالنداء الخالد: الله أكبرُ، الله أكبرُ كبيراً وسبحان الله وبحمده، بكرة وأصيلا. تلك هي تكبيراتُ الأعياد.. وستبقى ما بقي الليل والنهار.
ستسمع التكبيرَ والصلاةَ الأجيالُ القادمة، بإذن الله، لكن ذلك سيكون عندما تتوفر عندهم إرادة التحرير الأصيل وشرط النهضة السويّ، وقدراتُ العقل المأمول والأمل المنشود والوعد الموعود.
لا تيأسوا، أيها الناس، إنَّ وعد الله حق، وهو آتٍ بلا ريب. لكنّه سيكون يومَ تُحقِّقُ الأجيالُ في أنفسهم ما طلب الله منهم، عندها يتحقق ما وعد. ولن يخلف الله وعده.. فأبشروا وبشِّروا، ولا تقنطوا من تلبية الله نداءكم ودعاءكم..
أجل، ولكن لا تنْسَوا {إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم} فغيّروا حياتكم تتجدد آمالكم وتنالوا كلَّ ارتقاء، لا بل أيضاً وأيضاً المزيدَ المزيد، بإذن الله.. وليس ذلك ببعيد ومَنْ يعش يرَ رغم يهود وكيد الكائدين.
* رئيس جمعية الانقاذ الإسلامية اللبنانية ورئيس بيت الزكاة والخيرات - لبنان