بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 كانون الثاني 2021 12:01ص نكد العيش يحيط بنا.. ونحن المسؤولون..؟!

حجم الخط
علّمنا القرآن الكريم من خلال آيات عديدة أن المؤمن هو ذلك الإنسان الذي أخلص النيّة للّه تعالى في أمور حياته... فما سار وما وقف وما تكلم وما صمت وما تزوج وما عمل وما نصح وما أمر وما نهى وما فعل أي فعل في هذه الدنيا إلا طاعة للّه تعالى وامتثالا لقوله {قلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ}... ولذا لا يمكن أن يتصوّر عاقل أو أن يقبل أو أن يرضى بأن يكون بين المسلمين من حرّف مفهوم الآية الكريمة حتى بات عيشه كله لغير الله...؟!

وليس هذا فحسب.. بل ازداد الأمر سوءا وتدهورا حتى انتقلت (جرثومة الدفاع عن الباطل) من الآباء إلى الأبناء وأصبح الواحد منهم يعلّم أولاده - دون أي رادع - الأنانية وكأنه خلق كريم...؟!

ومع تعاقب السنوات ازدادت تلك الطفيليات في مجتمعاتنا وأصبح الأبناء في عمر الشباب، فرأينا منهم الأطباء والمهندسين والمحامين والمدرّسين والدعاة والخطباء والتجار والصناعيين وغيرهم، وطبعا كبرت ونَمَتْ في نفوسنا تلك الرذيلة حتى تحوّلت إلى أساس في حياتهم وأصبح شعارهم (أنا ومن بعدي الطوفان)...؟! وكذلك غابت عن نفوسهم فضيلة الحق قولا وعملا ودفاعا ونشرا... حتى أصبح الحق مهجورا والباطل مطلوبا...؟! بل يبدو أنهم قد أدمنوا على تلك (المخدرات القيمية) واستعدّوا الاستعداد التام لتوريثها إلى أبنائهم كما ورثوها من آبائهم...؟!

فالكل يتاجر بالكل دون حسيب أو رقيب...

يتاجرون في صحة الناس وسلامتهم، وفي غذائهم وطعامهم، وفي دوائهم وعلاجهم، وفي وظائفهم وأمنهم، بل حتى في عقول الناس يتاجرون وفي عواطفهم.. ثم و(براءة الأطفال في أعينهم) يسألون لماذا أصبح حالنا كما هو عليه اليوم..؟!

إبليسية المشهد

ساء حالنا لأننا جعلنا الحق سلعة تباع وتشترى... والفائز بها من يدفع أكثر..؟!

وساء.. لأننا فضّلنا عوج اللسان والأفعال حتى بات الاعوجاج أصلا في مجتمعنا.. وتحوّل الحق إلى مذموم ينكره الجميع...؟!

وساء.. لأن كثيرا من القلّة التي ترى الحق حقا، توقف عملها عند الرؤية فقط...؟! فتخاذلت عن إعلانه وجبنت عن العمل في سبيل نشره أو الدفاع عنه...!؟

وساء أيضا... لأن كلاً يريد الحق وفق مصالحه، ويريد الإسلام وفق تفسيراته، ويريد الفقه وفق مكاسبه ويريد أيضا المسؤولية حسب مزاجه.. حتى أضحى في بلادنا لكل جماعة إسلام خاص بها يختلف عن إسلام الجماعة الأخرى..!! ونسينا (اختياريا للأسف) أن الحق طاعة للّه هو الطاقة الجبّارة التي توهب للأمة القوة والهيبة والمكانة وتضمن لها حسن الريادة...؟!

إن المرض إذا استفحل عند البعض وتحكّم بالأعضاء أصاب الجسد كله بـ (كوما) نتيجة لتوقف (القلب) عن العمل...؟! ولا سبيل إلى الخروج من في هذه الحالة إلا بالصدمات الكهربائية التي تعيد شحن الأجساد بطاقة الحق التي فقدها طوعا...؟!

فهل نحن فعلا أجساد نعيش بلا (طاقة الحق)... تتنفس وتأكل وتشرب اعتمادا على طاقة الغير..؟!

وهل نحن فعلا (قلوب) توقف ضخّها الذاتي... فأمست مرهونة لمن يضمن وصول الدماء إليها..؟!

وماذا لو توقف هذا (الغير) عن تزويدنا (بوقود المصالح) التي تسير به نفوس الضعفاء على أوتوسترادات المنافع الشخصية...؟!

وكيف حالنا.. إن أمسك (هذا الغير) عن إمدادنا.. ونحن الذين أفسلنا خزانتنا عمدا فما عاد لنا مخزون وما بقي لنا احتياطي يكفينا...؟!

نعم... الأمر لا يخلو من صوت أو من عمل هنا أو هناك... ولكنه لا يكفي، فالحق يحتاج إلى رجال أقوياء وإلى جلد وإلى صبر وإلى تحمّل وإلى يقين وإلى إخلاص، وللأسف كلها أمور افتقدت عند جماعة كثيرة من أبناء جلدتنا الذين امتهنوا تجارة الحق بالباطل و{الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ}...؟!

ولكن للأسف نحن نعيش اليوم في مجتمع سيطر فيه ذوو اللسان الأعوج والقلب الأسود على أكثر من موقع ثم أخذوا يعاملون ويتصرفون ويتحكمون ويتكلمون ويأمرون وينهون ويخاصمون ويصالحون... وفق عوج لسانهم وسواد قلبهم.. فجاءت أعمالهم كلها زائفة في الادّعاء وباطلة في المضمون وصفرا في المفعول...؟!

وفي الوقت عينه عاملوا كل (آخر) معاملة الأعداء فخاضوا في إيمانه... وشككوا في وطنيته... وزوّروا في انتماءاته... وحاصروا طروحاته... و(شيطنوا) أقواله وأفعاله...!؟! متناسين أن سوء الظن دليل على سوء نفس صاحبه أولا وأخيرا...؟!؟

إذن... نحن نعاني من فساد القلوب... وما أدراك ما نتائج فساد القلوب...!!

أنها السبب الرئيس في فشل إدراك حقيقة الأمور وحسن التعامل الإيجابي معها...

وهي السبب أيضا في الغفلة عن تقبّل النصائح الصادقة والإغترار بالرأي...

وهي الأساس في أنانية القرار وسلبية التعامل وشخصانية التفكير وذاتية المصلحة...

{أفلمْ يسيرُوا في الأرْض فتكُون لهُمْ قُلُوب يعْقلُون بها أوْ آذان يسْمعُون بها فإنها لا تعْمى الأبْصارُ ولكن تعْمى الْقُلُوبُ التي في الصُدُور}...

والمشكلة الأكبر... أن هؤلاء (الإعوجاجيين) يعرفون تماما حقائق ذاتهم.. ولكن (وألف آه من «ولكن»!!) ما زالوا مصرّين على أمرهم حتى «طفح» السواد من قلوبهم واستقرّ نظارة راسخة على عيونهم يرون من خلالها (الآخر) - أي آخر - أسود الوجه والقلب واللسان والقول والعمل...؟!؟

إننا اليوم.. نمرُّ في مرحلة تحتاج من كل واحد منا أن يغرس في نفسه وفي نفوس أبنائه فضيلة قول الحق والعمل به والدفاع عنه.. ونحتاج بكل عزمنا أن نعلن الحق طاعة للّه ولرسوله وإبراء لذمتنا أمامه سبحانه وتعالى يوم القيامة...؟!

فإن الأمة التي تهاجر من ميدان الحق لتستقر في ميادين الباطل ثم تحاول بكل مكرها تطويع الحق وفق أهوائها ومصالحها.. هي أمة فاسدة مفسدة لا تستحق أبدا أن تنال شرف الحياة بكرامة... {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ}...

وحينها... الموت أشرف لها.. وإن كانت في حياتها.. ميتة...!؟



bahaasalam@yahoo.com