بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 تشرين الأول 2017 12:10ص هل أصبح التعصُّب سيِّد الموقف في مجتمعنا؟!

دعوات للتحرُّك الفوري لإعادة مسار البلاد إلى الطريق الصحيح

حجم الخط
خلق الله سبحانه وتعالى الخلق وجعل الإختلاف بينهم سُنّة كونية، وذلك ليكونوا متكاملين في عمارة الأرض كل واحد منهم يقدّم ما يستطيع من دور مفيد للبشرية جمعاء.
وهذه السُنّة الكونية تؤكد لنا أنّ التكامل بين البشر في سبيل الخير هو الأصل، فقد قال تعالى: {ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم، ان في ذلك لآيات للعالمين}، كما قال سبحانه مبيّناً لنا المراد من هذا الإختلاف فقال: {يا أيها النّاس انا خلقناكم من ذكر وإنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا}.
ولكن يبدو أنّ حالة السوء التي أصابت مختلف مجالات الحياة في بلادنا قد وصلت إلى نفس الإنسان حتى وجدنا مبدأ التعارف والتعاون والمساعدة قد بدأ يختفي ليأتي مكانه هذا الفساد الكبير المسمّى بالتعصّب.
- تعصّب بالرأي وإنْ كان خطأ.
- تعصّب في الإهواء والغرائز.
- والكلام والتصرّفات بل حتى التعصّب في تعامل الأزواج في ما بينهم، وبالتالي بات المجتمع بمختلف بيئاته وانتماءاته مسرحاً خصباً لكل ألوان التعصّب.
- والعجيب أنّه في الوقت الذي نقرأ فيه قول الله تعالى مخاطباً البشرية كلها «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان» نجد تنامي التعصّب يجتاح مفاصل الحياة كلها.
- فهل هكذا تبنى المجتمعات؟
- وهل بهذه الأمور تتطور البلاد؟.
- ما هو الحل، وما هي الخطوات المطلوبة لإزالة هذا الفساد، هذا ما سنعرفه في تحقيقنا التالي:
المفتي الصلح
{  بداية قال مفتي بعلبك الشيخ خالد الصلح: ان ظاهرة التعصّب الديني ليست بالجديد وفي أي دين، لكنها ربما تتجدد في بعض الأحيان، وهي بالتالي تمر كل الأديان بهذه الحالات وربما تتصاعد عند قوم أكثر منها عند آخرين.
ويقول الدكتور عادل صادق إن العقل السوي لا يقبل إلا كل ما هو منطقي فإذا طرحت امامه فكرة أو رأي ما فإنه يفحصها فإذا كانت منطقية يقبلها وإلا جاء الرفض، ما يعني أن الإنسان لديه إرادة القبول والرفض منذ خلق الله الخلق إلى يومنا هذا.
ولا شك في ان أمتنا اليوم تعاني العديد من المشكلات التي تعاني منها الكثير من دول العالم والتي تقود بعض الشباب إلى التعصّب وربما التطرّف أو التكفير في بعض الأحيان وعدم قبول الأخر في نفس المجتمع وربما الدين.
وربما في مقدمة هذه المعاناة هي قضية التعصّب الديني والفكري الذي اصبح يؤرق المجتمع الإسلامي والعربي برمته أكثر من غيره حتى اصبح يؤسّس لحروب طائفية ومذهبية بغيضة.
ولا شك في أنّ للتعصّب الكثير من الآثار السلبية التي تسهم في فتح باب الذرائع على مصراعيه للتوتّرات الدينية والفكرية والاجتماعية التي لا تعود ترى ما جاء به الملف الصالح من سماحة الإسلام والدين وقبول الآخر والتعدد في الإجتهاد والاختلاف الذي هو سُنّة كونية إلهية منذ خلق الله الخلق.
بل المتعصب لا يرى إلا ما يراه هو أنه الحق دون سواه وهذا أخطره الذي تعاني منه الأمة اليوم بمجملها.
من أسباب التعصّب غياب الحرية في كافة مجالات الحياة سواء في الأسرة أو التربية أو الشارع أو الدولة ومؤسساتها وبعهضا إلى التنشئة الاجتماعية بحيث لا يوضع الشيء في موضعه على مقياس متدرّج بل الحب الاعمى والكراهية البغيضة وربما الكراهية التي تؤدي إلى الكفر والتكفير ومنها فقدان الهوية للشاب ومنها العامل الاجتماعي ومنها الفقر ومنها الظلم الذي يلحق بالشباب وربما بعض الجيل ومنها العامل السياسي الذي يقوم على شتاء وصيف في وقت واحد على سقف واحد.
كل ذلك يكون وراء ظهور حالات التعصب إلى حد التطرف وخصوصاً ما يعيشه الشباب اليوم من فقدان للهوية والانتماء الذي ادى إلى الابتعاد عن النص الديني أولاً ولم يواكب التطور الحضاري ثانياً، بل اصبح لدينا شباب مقهور محروم حتى نشأت حركات ليست لديهم ثقافة دينية ولا غيرها فأصبح استقطابه بمنتهى السهولة ليزرع في عقله افكار الخروج على الانتظام العام والمجتمع الذي يعيش فيه، وأصبح ايضاً من السهل إقناعه بأن هذا التعصب والتطرف والخروج ثمنه الجنّة الموعودة، التي اصبحت مفاتيحها بأيدي اناس جعلوا من أنفسهم بوابين لها يدخلون من شاؤوا ويحرمون آخرين.
والعلاج للخروج من ذلك يكون عبر التربية والتعليم ومؤسّسات المجتمع الذين لهم أكبر الأثر في بناء عقول الشباب وتحريرهم من الفكر المتعصب والاستبداد الفكري والتخلي عن التعصّب وإلغاء الآخر بل الخروج به إلى أن يعيش ثقافة حقوق الانسان من ايجاد بيئة سليمة متسامحة تتقبل رأي وفكر الآخر والنقد والاختلاف وتوفير الخدمات والرعاية وتقليل البطالة وتوعية وتثقيف الأسر للمساهمة في توجيه الابناء لجادة الصواب وإعانتهم على اكتشاف هويتهم والله اعلم.
الشيخ عبدالله
{  أما الشيخ حسين عبدالله عضو الهيئة الشرعية في مؤسسة العلامة محمّد حسين فضل الله فيقول: إن انتشار هذه الظاهرة هو بسبب الثقافة الخاطئة التي تبث في مجتمعنا والتي تستغل الخلافات المذهبية حتى يتعصب كل أبناء مذهب لمذهبهم، مع ان التفكير السليم الصحيح هو ما جاء به الدين الإسلامي هو الانفتاح على الآخر ومحاورته ومناقشة الرأي الآخر بالحوار والجدال بالحسنى إذ جاء في قوله تعالى: {وادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}.
وأشار ألى ان الخطوات العملية لإزالة هذا التعصّب تكون ببث ثقافة تقبل الآخر ومحاورته على قاعدة «أحب لأخيك ما تحب لنفسك»، وهذا ما دعانا إليه القرآن الكريم والذي اعطانا قاعدة فيه بقوله: {انا وأياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين}.
والنبي  صلى الله عليه وسلم  دعانا إلى محاورة الآخرين اما يكونون على حق أو على ضلال فهذه الذهنية علينا نشرها في المجتمع من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وعقد المؤتمرات والندوات والمحاضرات في المدارس والجامعات... فإذا استطعنا ان ننشر هذه الثقافة عندئذ نربّي مجتمعنا على مبدأ تقبّل الآخر والإنفتاح عليه ما يثمر النتائج الإيجابية في نبذ التعصب ولكن إذا أراد الإنسان ان يغيّر فكر الآخر بالتعصّب والتمسّك بأفكاره فإن الآخر سيتشدّد أكثر بفكره، اما إذا اثرت فيه نقاط البحث من خلال التحاور والمناقشة سيفكر آجلاً أو عاجلاً بالأمر وسيؤثر ذلك على طريقة تفكيره وينزع عنه ثوب التعصب.
وبعض وسائل الإعلام المأجورة تثير النعرات الطائفية والمذهبية وتجعل الخلافات السياسية دينية، ولكن هي في الأصل خلافات على مصالح وتنفيذ أطماع المستكبرين، لكنهم يمتطون مطية الخلافات المذهبية لتفريق أبناء الأمة وأبناء المنطقة لأنه كل ما تفرقت البلاد كل ما سهل على المتكبرين والطامعين بالإستيلاء على ثرواتنا ومقدراتنا وتحقيق أطماعهم.
كما أنّ دور رجال الدين أساسي ومهم في هذه المسألة، فإذا كانوا هم متعصبين فكيف سيزيلون التعصّب من نفوس ابنائنا وشباب مجتمعنا فدورهم أساسي بأن يكونوا المثال الحقيقي والقدوة الحقيقية لهؤلاء الشباب، فإذا كان العلماء متلاقين متحابين فالناس على دين ملوكهم، فالشباب والمجتمع سيتأثرون بعلمائهم، اما إذا كانوا متعصبين، فاتباع كل مذهب سيتعصبون لآرائهم وافكارهم وعدم محاورة أبناء المذهب الآخر... وليس هذا في الاسلام بشيء، فالدين الإسلامي دعا إلى الانفتاح على الآخر والتحاور بالكلمة الطيبة إذ جاء في قوله تعالى: {وقولوا للناس حسن}.
وندعو إلى الجهوزية التامة لمواجهة حرب التعصّب، فكما نواجه الحروب العسكرية علينا مواجهة هذه الحرب، فهذه حرب من نوع آخر علينا ان نواجهها ونعد العدّة لها كأي حرب عسكرية وأن نخطط لقمعها من خلال الميدان الثقافي، للوقوف في وجه كل حالة مذهبية أدى التعصّب بها إلى تكفير الآخر في كثير من الأحيان وللأسف هذا ما وصلنا إليه في وقتنا الحاضر.
   منى توتنجي