ربما هي المرة الأولى التي أجد فيها نفسي عاجزا عن التعبير بما في قلبي من مشاعر، والسبب هو هذا الشعور المستقر بداخلي من أنني مهما كتبت فلن أستطيع أن أعبر حقيقة عما أريد..!!
فالراحل د.احمد اللدن لم يكن بالنسبة إلي مفتيا لمنطقة راشيا أو قاضيا في المحاكم الشرعية أو حتى أستاذا في كليات الشريعة في لبنان، بل كان أخا كبيرا وصديقا عزيزا ومرجعا علميا وحياتيا أعود إليه عند كل مشكلة تصادفني في عملي أو في حياتي..
علاقتي به التي امتدت إلى ما يقارب خمسة عشر عاما لم تكن أبدا علاقة عادية قائمة على المصالح أو العمل، وإنما كانت علاقة إنسانية في الدرجة الأولى، أشكو له ويشكو لي، أتصارح معه ويتصارح معي، بل أشاكسه أحيانا ويشاكسني، وأمازحه ويمازحني، حتى شرفني واعتبرني كأخ صغير له...
لا أنسى أبدا موقفه معي في وقت الأزمات التي مرت في حياتي ولا انسى أبدا كلماته التي حفرت في قلبي حين اتصل بي وقال لي بصوت حازم: «إن الـ»لا» التي قلتها في زمن الـ «نعم» ثمنها غالٍ، ولكن إياك أن تضعف، فأنت أهل لها»، كما لا أنسى أبدا حين أخبرني أحد طلابه في البقاع أنه قام بطبع مقال لي عشرات النسخ ثم قام بتوزيعه على الطلاب وكتب على كل نسخة «لضرورة الاطلاع عليه»..
عرفته أيام الدراسة ثم أيام العمل، ثم اشتبكنا علميا أيام الدراسات العليا، وحتى عند تقديم رسالة الماجستير كان حازما جدا في مناقشتي فشعرت أني لن أنجح، فإذا به يخرج من جلسة المداولة بعد المناقشة لأعرف أنه أبى إلا أن أنال درجة جيد جدا...
كم وكم فاجأته بزياراتي إلى بيته في تعلبايا فكان مضيافا وكريما وأصيلا يرفض خروجي إلا بعد أن أتخم من الطعام الذي يناولني إياه بيده الطيبة وحين أعتذر عند تناول المزيد يمازحني قائلا» يا حيف على الرجال».. ثم يصر علي بالجلوس في الحديقة لنشرب القهوة سويا ونتناقش في أمور الدعوة والعلم، وفي أيامه الأخيرة كان دائما يقول لي بلهجته البقاعية المحببة إلى قلبي «بلا كسل وخلص شهادة الدكتوراه أنا ناطرك بدي ناقشك فيها..».
الاتصال الأخير معه كان منذ ما يقارب الشهر والنصف تقريبا، وحينها سألته عن صحته فقال أنه بخير وأنه بدأ يفكر في مواضيع الحلقات الجديدة التي يريدني أن أشاركه بها في رمضان المقبل، ثم قال لي: «نحنا نتكامل في حواراتنا ومشان هيك مجهز لك أفكار رائعة»..ولكنه رحل ولم يخبرني بها..
وها أنا اليوم يا شيخنا وللمرة الأولى أكتب.. وأنا متأكد أنك لن تقرأ ما أكتبه ولن تناقشني فيه ولن تكرمني برأيك، صحيح أنك رحلت ولكنك باق في قلبي وفي عقلي وفي نفسي شعلة نور وعلم وفن راق وإنسانية نادرة حفرت فيّ الكثير والكثير والكثير..
وإنا لله وإنا إليه راجعون...