بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 أيلول 2023 12:00ص وقفة لتصويب مسار الخطاب الديني في لبنان

حجم الخط
يقول المتخصصون بأن فترة المراهقة تتميّز بعلامات عديدة منها سرعة الانفعال، والتخبّط في اتخاذ القرارات، والتمرّد فقط بهدف التمرّد، والرغبة في الخروج من عباءة الالتزام، والتأثّر الانفعالي بكل كلمة تُقال، وكذلك الدفاع المستميت عن الجزئيات ولو أدّى ذلك إلى تدمير الكليّات، والمباهاة بالكلام دون الأفعال، إضافة إلى صفات أخرى.
وبكل أسف يبدو أن الخطاب الديني في بلادنا قد دخل مرحلة المراهقة، حتى باتت كل الصفات السابقة محققة فيه..؟!
وهذا الأمر بحاجة ماسّة إلى وقفة حقيقية وصادقة مع الذات لإعادة قراءة مسار الخطاب الديني في لبنان بعدما جنح عن الطريق وأصبح في خطر الانزلاق إلى حيث لا يحمد..؟!
فالناس اليوم - وخاصة جيل الشباب - أصبحت رافضة لكل ما يُقال، تاركة لكل دعوة، مشكّكة بكل كلام صادر من معمّم أو شيخ أو عامل في مجال الدعوة إلّا من رحم ربي..؟!، ورغم ذلك لا عمل ولا جهد ولا خطط ولا سعي لتنقية الصورة وإصلاح الأمر.
نعم... نحن في فترة «دعوية» حرجة جدا، هي أشبه بـ«الموت الإكلينيكي»، حيث يُقال للمريض أنه حيّ، ولكنه حقيقة ميت.. لا أثر له ولا قدرة على فعل أي شيء... والأسوأ أن بقاءه حيّاً «ولو بالإسم فقط» ليس من صلاحيته إذ القرار ليس بيده، بل بيد من يشرف على رعايته.. وإن كان أفشل الأطباء..؟!

نفور جماعي

انظروا أيّها السادة من حولكم إلى كل أفراد المجتمع، الملتزم منهم وغير الملتزم.. ماذا سترون..؟!
سترون فريقا ترك الدين وشكّك بكل ما فيه وبات بعيدا عنكم، بسبب «مراهقة دعوية» أبعدته بخطابها وسوء أعمالها ولامبالاتها منذ سنوات وسنوات..؟!
وسترون فريقا ثانيا تقوقع داخل دائرة الجماعات والأحزاب.. أكثرهم لا قناعة ولا إيمانا، بل إما «إمعة».. وإما «دروشة».. وإما طبعا مصلحة..؟!
وسترون فريقا ثالثا.. ترك تخبّطتكم وعبثيتكم، والتزم وحيدا، يؤدّي طاعته للّه بعيدا عنكم، وإن كان في بعضها أخطاء أو تقصير..؟!
وبالتالي لم يعد من المقبول أبدا استمرار مسار الخطاب في بلادنا..
ولم يعد من المقبول الاستمرار في إبعاد الواقع ومشاكله وتحدّيات المجتمع حتى بات الخطاب في وادٍ، والناس في وادٍ..؟!
فالناس قد ملّت.. وضجرت.. ونفرت بل وكفرت بكلامكم.. وسيطر سوء الظن والتشاؤم واليأس على كل مناحي حياتها، حتى وصل الأمر عند البعض إلى التشكيك في الدين نفسه... والسبب الزعم «المزوّر» لكل فريق أنه الوحيد الذي يتحدث بإسم الدين الحق..؟ّ
ولكن.. أين الجهد العلمي والواعي في مواجهة الإلحاد والفكر الهدّام منذ سنوات..؟
أين هموم الفقراء والمرضى والمحتاجين والعاطلين واليتامي والأرامل والغارمين من خطابكم..؟!
أين توعية الشباب وإرشادهم وتثقيفهم وتعليمهم وغرس حضارة الدين ورقيّه في نفوسهم..؟!
أين محاربة المخدرات والعلاقات المحرّمة وانتشار الزنى والخيانات الزوجية التي أصبحت مصدر تفاخر عند البعض..؟!
وأين إظهار الفهم الصحيح والتعاليم الراقية للإسلام الحنيف وزرعها في عقول ونفوس الشباب..؟!
أين إستيعاب الناس وتعليمهم ومخاطبتهم بالتي هي أحسن قبل إنزال العقاب والحدود..؟!
بل وأين التفاعل البنّاء والإيجابي مع كل ما في كتاب الله وسنّة النبي صلى الله عليه وسلم  حتى يرى المجتمع أثر هذا الفهم الصحيح في العمل السليم..؟!

وصية عمر بن عبد العزيز

أيّها العاملون في ميدان الدعوة في بلادنا من كل حدب وصوب...
تروي لنا الكتب أن عمر بن عبد العزيز بعد أن تولّى الخلافة قالت زَوْجَتُهُ فَاطِمَةُ: «دَخَلْتُ يَوْماً عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي مُصَلَّاهُ وَاضِعاً خَدَّهُ عَلَى يده ودموعه تسيل على خديه، فقلت: ما لك؟، فقال: «ويحك يا فاطمة، قَدْ وُلِّيتُ مِنْ أَمْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَا وُلِّيتُ، فَتَفَكَّرْتُ فِي الْفَقِيرِ الْجَائِعِ، وَالْمَرِيضِ الضَّائِعِ، وَالْعَارِي الْمَجْهُودِ، وَالْيَتِيمِ الْمَكْسُورِ، وَالْأَرْمَلَةِ الْوَحِيدَةِ وَالْمَظْلُومِ الْمَقْهُورِ. وَالْغَرِيبِ وَالْأَسِيرِ، وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَذِي الْعِيَالِ الْكَثِيرِ، وَالْمَالِ الْقَلِيلِ، وَأَشْبَاهِهِمْ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَأَطْرَافِ الْبِلَادِ، فَعَلِمْتُ أَنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ سَيَسْأَلُنِي عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّ خَصْمِي دُونَهُمْ مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم -، فَخَشِيتُ أَنْ لَا يَثْبُتَ لِي حُجَّةٌ عِنْدَ خُصُومَتِهِ، فَرَحِمْتُ نَفْسِي فَبَكَيْتُ»..
فما دمت تبتسمون.. وتضحكون.. وتتنعّمون.. وتتمسّكون برأيكم الأوحد على أنه الرأي الوحيد الصواب... فأنتم لم تدركوا بعد خطورة ما أنتم فيه من مسؤولية.. ولم تدركوا عسر الحساب الذي ينتظركم نتيجة تضييع الأمانة..؟!
ولا يغرّنكم كثرة المادحين أو «مقبّلي الأيادي» من حولكم، فهم كـ«زينة الطعام» تراهم على كل الموائد.. ولكن لتحسين المنظر ليس إلّا...؟!
وصدّقوني... هذه هي الحقيقة التي لا ترغبون برؤيتها والاعتراف بها، وأخشى ما أخشاه أن يأتي يوم تجبرون فيه على مواجهتها، ولكن حينها.. يكون قد فات الأوان..؟!

bahaasalam@yahoo.com