بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 تشرين الأول 2023 12:00ص وما زال مسلسل تجويف المناسبات الإسلامية مستمراً

حجم الخط
لا شك أن كثيرا من المسلمين - وبسبب عوج فكري استقرّ في أذهان القائمين على أمر المساجد في بلادنا - قد تحوّلوا إلى احتفاليين بدلا من أن يكونوا بأخلاقهم وعباداتهم مسلمين..!!، ولنأخذ مثلا على ما نقول ذكرى المولد النبوي الشريف الذي حلَّ علينا مؤخرا.
ففي كل عام وحين تحلّ ذكرى مولد خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم ، يعود المسلمون إلى ما درجوا عليه من احتفالات جوفاء وكلمات رنّانة وخطب عصماء، ثم الخلاف حول جواز الاحتفال بالمولد أو عدم جوازه... ثم مهاجمة بعضنا البعض.. ثم ينتهي كل شيء وكأن شيئا لكم يكن!!
ففي ذكرى المولد النبوي الشريف - وطبعا كما يحصل في ذكرى الهجرة وعيد الأضحى وعيد الفطر وشهر رمضان المبارك وغيره من المناسبات - يتحوّل المسلمون إلى احتفاليين، فلا يتذكّرون رسولهم صلى الله عليه وسلم  ولا سنّته ولا هديه ولا أقواله ولا أفعاله ولا تعاليمه إلّا في المناسبات..؟!، ولذا رأينا المجتمع بأسره يغيب لشهور ثم يعود فقط ليتحفل، ورأينا المساجد بأئمتها وروادها والقائمين عليها تغفل عن أدوارها ثم تعود فقط لتحتفل ثم لتعود بعد الاحتفال كما كانت قبله بعيدة عن أمور دينها!
فأي احتفال هذا الذي يريدونه وهم لا يذكرون دينهم ولا كتابهم ولا رسولهم ولا مناسباتهم إلّا في المواسم؟
والأسوأ من ذلك أن كثيرا من هؤلاء المسلمين الذين يقصدون المساجد في تلك المناسبات لا يقصدون المساجد بهدف التعلّم أو الاتعاظ أو الإرشاد وإنما بهدف سماع فرقة إنشاد معينة أو زيارة منطقة ما أو حتى كـ(جمهور مشجع) لخطيب معين!...
وكلّ هؤلاء قد غفلوا عن أن الله تعالى - الذي أرسل رسوله بالحق والهدى - يقول: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.. نعم يسلموا تسليما كليّا ويؤمنوا قلبا وقالبا ويلتزموا قولا وعملا بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم  دون إفراط أو تفريط.

المطلوب أن نعمل

فالمطلوب في ذكرى المولد النبوي أن نجدّد العهد بطاعة الله تعالى وطاعة رسوله الكريم امتثالا لقوله عزّ وجلّ {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
والمطلوب في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة أن نعلن جميعا هجرة المعاصي والذنوب والمنكرات، وأن نلتزم بما أمرنا به صاحب الهجرة صلى الله عليه وسلم: (لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ)، فأي جهاد وأي نيّة وأي عمل وأي إصلاح نقوم به اليوم؟!
والمطلوب في عيد الأضحى المبارك أن يضحّي كلّ منا بما استقر في نفسه من أنانية وطمع وجشع وتكبّر وغرور، وكذلك في كل المناسبات الإسلامية التي وللأسف الشديد حوّلناها بجهلنا و«أمّيتنا الإيمانية» إلى احتفاليات جوفاء خالية من معانيها الحقيقية وأبعادها الإيمانية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والتربوية، بدلا من أن تكون نهج حياة نسير عليه كل أيام عمرنا.
هذا الأمر - وأقصد به تجويف المناسبات الإسلامية من معانيها الحقيقية - ساهم في كارثيته المسؤولون عن المساجد الذين تعوّدوا كما تعوّد المجتمع على «زمانية الذكرى» لا على عموم الفائدة، وبالتالي قصّروا في تزكية تلك المعاني في نفوس المسلمين حتى هجروها وغابت عنهم حتى ارتفع ما يمكن تسميته «بالجدار الفاصل» بين حياة الأمة الفعلية وبين تاريخها المجيد بكل ما في من مناسبات ومواسم.
أما علاج هذه الآفة فلا بدّ أن يكون إيجابيا على قدر السلبية التي شاعت، فنسعى كلنا لنعمّم أخلاقيات رمضان في كل شهور العام، وأن نجهد بقدر استطاعتنا لتكون أيامنا كلها أيام حج، وهكذا حتى يصبح الإسلام بكل أحداثه ومناسباته - ومن خلال المساجد والأدوار التي تقوم بها - متمكّنا من قلوب الأمة لا يحرّكها إلّا في طاعة الله ورسوله وعمارة الأوطان والمجتمعات.
وطبعا نحتاج لتحقيق هذا الأمر جهودا كبيرة تتضافر فيها كلّ المساعي وتذلل خلالها كل الصعاب والأمور «الإدارية الروتينية» حتى نعود بالمسجد فعلا مركزا إسلاميا شاملا ومنارة علم ومعرفة كما كان دوما عبر مراحل التاريخ الإسلامي.
فيا ليتنا في ذكرى مولده نتدارس قوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) فندرّب أنفسنا وأبنائنا على قول الحق والدفاع عنه ونشره...؟!
ويا ليت المتكبرين من قومي وفي ذكرى مولده يتيقنون تماما اليقين أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي قال (كل أمتي معافى إلّا المجاهرين).. فيمتنعوا عن أفعالهم..!!؟؟
وأخيرا يقول النبي عليه الصلاة والسلام (يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلّا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلّا أخذوا بالسنين وشدّة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلّا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلّا سلّط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيّروا مما أنزل الله إلّا جعل الله بأسهم بينهم)..
ونحن... لو فقهنا هذا الحديث قولا وعملا... لعلمنا حينئذ أن ما أصابنا هو من صنع أيدينا...!!!

bahaasalam@yahoo.com