بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 كانون الأول 2023 12:00ص الإنسان المسؤول…مسؤولية الأهل منذ مرحلة الطفولة!

حجم الخط
ماذا يعني ان يكون الانسان مسؤولا؟!
لنبدأ اولا بتقديم شرح بسيط حول مصطلح «المسؤولية»،تُعرف المسؤولية بأنها الدور الذي يلعبه كل منا بمؤسسة معينة، وفقاً لما يتصل هذا الدور من حقوق وواجبات. ويتوقف تحقيق المسؤولية بوعي الشخص، وإدراكه لماهية الكيان، وموقعه بالنسبة لهذا الكيان أو تلك المؤسسة.
أولاً: ما هي انواع المسؤولية؟
١-المسؤولية الأخلاقية: التي تتمثل بالتزام الشخص بما يقوله أو يفعله.
 ٢-المسؤولية الجماعية: تتمثل بالالتزام الذي تتحمله جماعة معينة. 
٣-المسؤولية القانونية: و تعني الالتزام بإصلاح الخطأ الواقع على الغير طبقًا للقانون.
ثانياً: هل يمكننا ربط كل هذه انواع المسؤولية أعلاه بِما نسميه «مؤسسة الاسرة»؟
بالطبع نعم،لان الاسرة هي اول مؤسسة ينضم اليها الطفل فمنذ لحظة ولادته تبدأ «السيناريوهات الوالدية»،عندما يشعر بالجوع يبدأ بالصراخ و البكاء فتسرع الام لتلبية هذه الحاجة لانه من حقه عليها ان تطعمه،و لكن نمو الطفل مستمر و ما ان تبدأ لديه استعدادات الكلام و المشي علينا ان ننتبه لهذه الفترة تحديداً كي نصنع منه «كياناً مستقلاً» نوعاً ما وبالتالي «مسؤولاً».
لنبدأ بالمسؤولية الاخلاقية،هنا علينا ان نفهم الطفل انه مسؤولا عن كلامه و وعوده و ان نبتعد عن مصطلحات غير صحية مثل (كاذب،سارق،متهرب..) ونستبدلها بـِ(لم تلتزم بوعودك،لم تقل الحقيقة،كن صريحاً أكثر،لا تخف من قول الحقيقة…).
فهنا يكون الاهل في طور اعداد انساناً لا يخشى قول الحقيقة و يكون مسؤولا بالدرجة الاولى عن كلامه،حتى اذا ما رفض الطعام مثلا
نقول(انت قلت لا اريد،تحمّل ما قررته).
أمّا بالنسبة الى المسؤولية الجماعية فعلى الطفل ان يدرك مسؤولياته تجاه منزله و أسرته 
فمثلما هي مسؤولة تجاهه وتجاه حقوقه،هو مسؤولٌ أيضاً عن بعض الواجبات،مثل المساعدة في ترتيب المنزل و تنظيف غرفته والاهتمام بأغراضه الشخصية والمحافظة على أغراض هذا الآخر الذي يعيش معه في نفس المنزل حتى وإن شاركه غرفته.
وهذا ما ينقلنا أيضاً إلى المسؤولية القانونية
فعند تسبب الطفل بضرر ما داخل البيت او إيذاء أحد او التطاول على أحد،فيجب ان يخضع للقانون الخاص بهذا البيت و ما ينص عليه من عقوبات.و طبعاً أشدد هنا ان يكون العقاب المعتمد من قبل الاهل هو العقاب التربوي البنّاء و الذي يتوجّه الى «سلوك الطفل» و ليس الى شخصه.
مثل ان نستبعد الطفل و نطلب منه ان يبقى بفرده داخل غرفته ونفسّر له سبب هذا الاستبعاد،أو أن نحرمه من لعبة ما او من نزهة،او ان نتوقف عن التحدث اليه لفترة ما.
المهم هنا ان يفهم سبب العقوبة إلى ان يعتذر و يلتزم بقانون الاهل.
ثالثاً: هل مسؤولية الطفل في المنزل هي التمهيد لمسؤوليته كـَ «مواطن» ؟
كل ما يلتزم به الطفل ويتعلّمه داخل هذه المؤسسة الاولى «الاسرة» سيكون تمهيدا لالتزامه حيال مؤسسة أكبر التي هي المدرسة و من ثم المؤسسات الكبرى في مجتمعه الى ان يكون مسؤولاً حيال وطنه.
رابعاً: هل أيضاً للمربّين دور مهم في المدارس؟
ان دور المربين في المدرسة لا يقل أهمية عن دور الاهل لانه ما هو الا تتمة.
فعلى المدرسة ان تنتبه لكل طفل و الى «مساحته»الحاصل عليها في المنزل و التي يحتاج اليها في المدرسة.
ففي المدرسة علاقته بأقرانه وبمسؤوليه ستشبه لاحقاً أيضاً علاقته بأفراد المجتمع و بزملاء ورب العمل،لذلك عليه تترتب واجبات من المفترض ان يُجبَر على الالتزام بها وفي المقابل حقوق يجب ان يحصل عليها.
خامساً:ما هو أكبر معيق لتنمية روح المسؤولية في نفس الطفل؟
إن أكبر معيق لتنمية روح المسؤولية وانعدام الاحساس بها عند الطفل هو التدليل الزائد من قبل الاهل والاتكالية المطلقة عليهم،وهذا لا ينتج عنه انعدام المسؤولية فقط!بل اضطرابات و مشاكل أخرى ستظهر لاحقاً مثل الاتكالية والخجل وضعف الشخصية و التردد والقلق.
إنّ الطفل هو كيان مستقل،وليفهم هذا فهو بحاجة منذ ولادته الى مساعدة ولادته فهي الوحيدة التي يتوجب عليها ان تفسّر له أننا لسنا واحداً بل اثنان!اي ليسوا شخصاً واحداً بل أم وطفل،لان الطفل يعتقد انه متصلا اتصالاً وثيقا بأمه نظرا لوجوده لحظة تكوينه داخل رحمها وهنا عليها ان تبدأ بقطع الحبل السري «النفسي» و ليس فقط العضوي!
 سادساً:كيف يُقطع الحبل السري «النفسي»؟!
من خلال تواجد الام مع طفلها بالتزامن مع الانفصال،اي هي معه وليست معه..
الكثير من الامهات تبقى ملتصقة بطفلها بعد الولادة فما ان يبكي تركض وتحمله و تحاول ارضاعه وتنقله بكرسيّه معها اينما كانت،وهذه الطريقة جدا خاطئة لانها ستخلق ما نسميه بـِ«الالتحام» وهذا هو المعيق الاول والاساسي حيال استقلالية الطفل ومسؤولياته لاحقاً
اذا ما انقطع الحبل السري النفسي بينه و بين امه.هي من مسؤولياتها البقاء معه واطعامه ولكن ليس لطوال الوقت في نفس الغرفة اي يمكنها ان تتركه في كرسيّه مثلا امام التلفاز وتكون هي المطبخ،هنا يفهم الطفل وجود امه معه في المنزل و يفهم المسافة ويفرّق بينه و بينها كـَ كيان مستقل..
سابعاً:بعض التوجيهات للاهل والمربين من اجل تنمية روح المسؤولية لدى الطفل:
إنجاح هذا المشروع وإن استغرب أعزائي القرّاء مما سأقوله،ولكنه حتماً يبدأ من سلّة المهملات!
إن الطفل حين يعتاد على رمي نفاياته اينما كان ولا يهمه سوى ان يتخلّص منها فهو حتماً سيتخلص من مسؤولياته بأي طريقة وسيرميها دائماً على الاخرين.
أما اذا جعلناه يعتاد انّ (هذه نفاياتك وعليك رميها في المكان الصحيح و تنظيف المكان بشكل كامل سيعرف وسيفهم انها عائدة اليه،وهو من تسبب بها ومن مسؤوليته التخلص منها).لنعود سوياً للمسؤولية الاخلاقية ونضيف عليها المسؤولية الوطنية،عندما نريد ان نحبب الطفل بوطنه ونجعله مواطناً صالحاً فأول ما يجب ان يفعله هو حماية ارض وطنه من نفسه اولاً و من ثم من الاخر..
لذلك أعتذر إن بدأت من سلة مهملات ولكن حقاً المسؤولية ان بدأ الشعور بها حيال اسخف الاشياء ستكون الاهم منها اسهل بكثير..
من السلوكات التي يجب ان نعلّمها للطفل:
-الالتزام بكلامه ووعوده .
-تنظيف عرفته.
-ترتيب سريره يومياً بفرده(بمساعدة الام اول فترة) وهنا انا اتحدث عن الطفل  ذكراً كان ام أنثى..
-مساعدة أمه في اعداد المائدة.
-تبادل الادوار بينه و بين اخوته في تقسيم المهام(او بين اقرانه في المدرسة).
-تنسيق برنامج يومي واعتماده(اشدد على اهمية اعتماده والالتزام به).
-اختيار ملابسه بنفسه.
-اختيار العابه و وسائل التسلية التي يريدها.
-التخلص مما لا يريده.
-الاستعانة به لحل مشكلة ما.
-تخصيص مبلغ من المال له ومنحه حرية التصرف به.
-اختيار الطفل مع من يريد او لا يريد ان يتحدث.
-اعطاء الاطفال في المدرسة بعض المهام الصفية بشكل دوري وايضاً تأمينهم على صندوق الصف مثلا(الصندوق المالي).
-اصلاح أي غرض تسبب في خرابه او شراء غيره من مصروفه الخاص مع الاعتذار و الاعتراف لصاحب الغرض. 
و في النهاية أود ان اذكّر أعزائي القرّاء ان المسؤولية تتطلب أكبر قدر من الحرية،ومن أجل ان يكون الانسان حرّاً لا يستطيع سوى ان يكون مسؤولاً!!

(مختصة نفسية)