بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 تموز 2020 08:28ص الزواج في هذه المرحلة بطولة ام انتحار؟

حجم الخط

مصطلح «أزمة» أصبح من المصطلحات الاكثر شيوعا في لغتنا اليومية، مثل أزمة كورونا، أزمة الدولار، أزمة الحكومة... وغيرها. تاريخيا استخدم هذا المصطلح للدلالة على وجود نقطة تحوّل مهمة او لحظات مصيرية في حياة الفرد او المجتمع.

وفي خضم الازمات لا يستفيد الفرد من الخبرات الماضية لان الازمات تحمل في جعبتها تطورات غير مألوفة تتطلب معالجة غير مألوفة ايضا، ما يفسّر التخبّط الواضح على مواقع التواصل الاجتماعي التي اصبحت أشبه بساحة مبارزة بين المعالجات التي تحصد تارة من يؤيدها وطورا من يرفضها.

على الصعيد الاجتماعي، انتشرت ظاهرة الزواج «السريع أو المتسرّع» تزامنا مع أزمة هي الاشرس بعد انتهاء الحرب الاهلية، فتزامنا مع التطورات المتسارعة يسعى كل منا الى ضبط ايقاع حياته قدر المستطاع والتحكم بمصيره بما يرضيه، عبر قرارات مفصلية كالزواج.

الزواج بطولة او انتحار في هذه المرحلة؟ «اللواء» طرحت السؤال على عينة من الشباب والمتخصصين فكيف جاءت الردود؟

لنتزوج عن حب وخذ ما يدهش العالم

وفي زحمة الآراء المؤيدة والرافضة للزواج في هكذا ظرف، يرى بعضهم أن الحب هو الوحيد القادر على تغيير المعادلة وتحويلها من انتحار الى بطولة.

فالعيش مع شخص «على الخبز والزيتون» لا تغدو كونها جملة شعرية لا محال لها من الاعراب في حياة الزوجين اذا فقد الحب لكن في حال توفر تصبح حقيقة يتمسك بها الطرفان للصمود بوجه رياح الازمة المستشرية وتصبح طريق الالف ميل أكثر سهولة بوجود الشريك.

أما الزواج الذي تحكمه المصالح المالية والاجتماعية فهو أشبه بشوكة تغزّ جسمك لو كان مستترا تحت فساتين فاتنة ومجوهرات براقة فكيف الحال ان وقعت في آتون الفقر والعجز؟

وتنتهي صاحبة هذه النظرية الى القول: صحيح انه علميا لا يصح الجزم في اي نظرية قبل تطبيقها الا انني اجزم لنتزوّج عن حب وخذ ما يدهش العالم.

أما احمد ابن الـ 25 عاما، فاعتبر ان من لم تخلُ جعبته من الدولارات، يمكنه استغلال الظروف من كورونا والوضع الاقتصادي لعقد الزواج بأقل كلفة ممكنة، لكن في حال لم تتوفر لديه فهي خطوة غير مدروسة تودي حتما الى الانتحار لانه يتورط والشريكة بمستنقع لن يكون سهلا الخروج منه.

من جهتهما، يتحضّر ايلي وريمي، لدخول «القفص الذهبي» في ايام معدودة، عازيين السبب الى ان اليوم سيكون أفضل من الغد والسبب الاساسي يعود للمتحكمين بمفاصل السلطة في البلد. ارتكز الثنائي في قرارهما على ثابتة اساسية وهي عملهما داخل السلك العسكري ما يشكل الضمانة الاهم لهما اضافة الى امتلاكهما مبلغ من المال بالليرة اللبنانية يمكنهما من الزواج، مؤكدان ان الزواج من دون ضمانات معقولة هو حتما انتحار.

الاقدام على الزواج هو انتحار؟

بطولة ام انتحار الذين يتزوجون في هذه المرحلة؟ الدكتورة في الجامعة اللبنانية المتخصصة في علم الاجتماع ماي مارون، طرحت السؤال عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك.

مارون استشهدت بخبرات طلابها الذين شاركوها تجربتهم بالعلاقات على صفحتها، للتصويب على خلفيات قرار الزواج في هكذا مرحلة، وأكثرها شيوعا حاليا هي الهجرة الى دول أخرى فإحدى الطالبات اوضحت لها أنها أقدمت على الزواج بهدف الهجرة الى الخارج ومثلها كثيرات.

واعتبرت ان المرحلة الحالية لن تقتصر ظواهرها على الزواج السريع والمتسرّع بل ستتوسّع لتشمل مصطلح المساكنة الذي سيراه البعض أهون الشرين، فبين التعقّل والاندفاع يلوز البعض بالمساكنة، ما يؤشر حكما الى تغيّرات لا مفر منها في العادات والتقاليد السائدة في المجتمع اللبناني، اسوة بالدول التي عايشت الازمات كالصين التي فرضت على الثنائي إنجاب طفل واحد على سبيل المثال.

وفي وقت يظهر عجز الكثيرين من المتزوجين بتأمين الحد الأدنى من حاجات ومتطلبات أولادهم جليا، عزت الدكتورة اقدام البعض على الزواج الى حالة الحب التي يعيشونها إضافة الى التمسك بالامل بأن الغد سيكون أفضل، قائلة: "الحب يمنع الشخص من رؤية الحقيقة".

وبين الحب والامل والتقارير الصادرة عن الاقتصاديين والخبراء التي تنذر بتفاقم الوضع واستمرار الازمة لفترة ليست بقصيرة، يكون الضياع العام سيد الموقف وبالتالي الاقدام على الزواج هو فعل انتحار جدي، خصوصا ان قرر الثنائي إنجاب الأطفال.

وتوازيا مع الازمة المستشرية، انقسم اللبنانيون الى نموذجين الأوّل ينحو نحو التوكل الى الله وتسليم الأمور الى قوى ماورائية في حين يذهب الثاني الى الللذة الآنية واتخاذ القرارات المتسرعة لان الغد ضبابي والحلول سدت بوجههم، بحسب مارون.

ونصحت الشباب بعدم الاقدام على الزواج حاليا والانتظار، قائلة: الزواج بعد الـ 30 ممكن والظروف قد تكون ملائمة أكثر لهكذا خطوة، محذرة من ارتفاع نسبة التفكك الاسري في المجتمع في حال استمرت هذه ظاهرة.

عندما تتغير الأولويات ستتغير حكما ادارة الحياة اليومية

لكن البطولة والانتحار عنوانان لا يمكن اسقاطهما على مفهوم الزواج وحصره بهما مهما كانت الظروف، برأي المتخصصة بعلم النفس كارن اليا، فالزواج ارتباط مقدّس بين الطرفين وعهد بالبقاء سويا على المدى الطويل، ولجوء البعض لربط هذان العنوانان بالزواج ناتج عن ضغوط اقتصادية، وقلق عام وظروف غير مستقرة.

اليا دعت الشباب للتمييز بين يوم الزواج الذي يقتصر على الاحتفال وتكاليفه وبين مشروع الزواج الذي يجب ان يترافق مع سعي يومي لانجاحه، لذلك على كل شخص الانطلاق من قدراته المادية، الفكرية وطبيعة العلاقة التي تربطه بالشخص الاخر لمعرفة اذا كان اليوم هو الوقت المناسب للارتباط ام لا يزال يحتاج لمزيد من الاختبار.

وفي معرض شرحها لظاهرة الزواج، ميّزت الدكتورة بين العلاقات المستجدة خلال الفوضى القائمة وبين العلاقات التي تأسست قبل الازمة وهي اليوم متينة، فالاشخاص التي لا تزال علاقتهم جديدة لا تنصحهم باتخاذ قرارات متعلّقة بالفوضى كالزواج لانه لحظة عودة الاستقرار الى حياتهم سيضعون قراءة مختلفة لقراراتهم ويمكن أن يندموا عليها. اما الذين تربطهم علاقة دامت لفترة طويلة ويطمحون لتطويرها الى مشروع حياة، فيمكنهم السير بقرار الزواج لانه غير مرتبط بالظروف الخارجية، وفي هذه الحالة أي عنصر خارجي يمكن التحكم به ويمكن ايجاد مخرج له.

وختمت: الغد لن يشبه اليوم، وسيكون هناك تغيير كبير على المستوى النفسي وطريقة التفكير وتسلسل الاولويات اضافة الى الظروف الاقتصادية، فعندما تتغير الاولويات ستتغير حكما ادارة الحياة اليومية بما يتناسب مع الواقع، فكثير من الامور ستعود الى سابق عهدها وكثير منها سيتغيّر وستظهر عادات جديدة في حياة الثنائي.