بيروت - لبنان

اخر الأخبار

أقلام عربية

14 نيسان 2019 07:06ص الحل في الأحزاب السياسيّة

حجم الخط
الشائع اليوم أن مكانة الأحزاب السياسيّة تراجعت ولم تعد الشعوب تؤمن بجدواها بدليل انخفاض نسبة المشاركة السياسيّة حتى في البلدان ذات التجارب العريقة في الديمقراطية.
هذا صحيح إلى حد كبير، وكثيرة هي الدراسات التي حاولت فهم ظاهرة العزوف عن المشاركة السياسيّة بشكل عام. ولكن السؤال: هل نحن كعرب ومسلمين مررنا بتجربة قوة الأحزاب السياسية واستفدنا من دورها في تعزيز الديمقراطية؟ أم أننا قفزنا مباشرة إلى تراجع الأحزاب في بلداننا قبل أن تحقق فترة مجد يذكرها التاريخ القريب في مرحلة ما بعد الاستقلالات، أي في النّصف الثاني من القرن الماضي؟
إننا نطرح هذا السؤال في هذه اللحظة الدقيقة بالذات التي يعرفها الفضاء العربي الإسلامي: في الجزائر الجيش يؤطر مرحلة ما بعد بوتفليقة ولا ندري آفاق هذا التأطير وطموحاته، وفي السودان الجيش يمسك حالياً بزمام الأمور ويؤطر ما بعد عمر البشير... باختصار الحراك القوي والعاصف قد آل إلى تدخل الجيش ووضع قبضته، وهو أمر يمكن التعامل معه بارتياح كبير لو أن المؤسسات الدستورية أثبتت نجاعتها وأظهرت وجود خريطة طريق واضحة وجاهزة لانتقال السلطة وتوفر تشريعات دقيقة تحسب حساب كل السيناريوهات.
مع الأسف غالبية الأنظمة السياسية وإن كانت في ظاهرها ذات نظام جمهوري، فإنها لم تؤمن ما يكفي من تشريعات سياسية تتناسب والحكم الجمهوري؛ ذلك أنها أنظمة لم تفكر فيما بعدها، فكان الارتباك سيد الموقف وتدخل الجيش بشكل أو بآخر هو الحل الأمثل لضمان أمن البلاد وحمايتها من الفوضى.
إنّ الفكرة التي نود التوقف عندها في ظل ما يحدث في الفضاء العربي الإسلامي، هي أن الحاجة إلى أحزاب سياسية قوية اليوم باتت ضرورة أكثر من أي وقت مضى. ولما كان دور الأحزاب على امتداد نصف القرن الماضي شكلياً بالأساس في أنظمة ذات حكم شمولي غالباً، فإن الأحزاب لم تجد الظروف المناسبة التي تمكنها من أداء وظيفتها النقدية أولاً ومن التغلغل في الشعب ثانياً ومن المشاركة السياسية الفعالة التي تمنحها الخبرة ثالثاً.
من هذا المنطلق وأمام انسداد الأفق وغموض الواقع في أكثر من بلد عربي اليوم، فإن الفرصة سانحة جداً للأحزاب السياسية كي تؤدي ما لم تستطع القيام به في السابق. طبعاً لا تفوتنا الإشارة إلى أن الأحزاب الإسلامية هي الأكثر التقاطاً للفرص وهي الأكثر لهثاً وراء الحكم ولقد تمكنت من الفوز سواء في تونس أو في مصر، لا بفضل كفاءة خاصة وامتلاك مشروع حقيقي وواعد في التنمية والرخاء، بل بسبب ضعف الأحزاب الموصوفة بالتقدمية والحداثية.
لا شك في أن هذه الأحزاب نفسها فوجئت بالحراك الشعبي الاحتجاجي ولم تستعد لمثل هذا الحراك ولم تخطط لكيفية التفاعل الناجح مع مثل هذه اللحظات التاريخية النادرة، ولكن مع ذلك فإن هذه الأحزاب بتقاعسها وفشلها في مصر وتونس فتحت الباب سريعاً لمؤسسة الجيش لاختصار الوقت وتأطير اللحظة دون انتظار أحزاب تتعاطى مع السياسة من باب الهواية وعن طريق شاشات التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي مغيبة آليات العمل السياسي الحقيقية وقوية التأثير.
ولكن مع ذلك فإننا نظن أن شعوبنا تحتاج إلى تجديد الأمل في الأحزاب السياسية ومنحها فرصة كتابة تاريخ يحفظ للأجيال القادمة اضطلاعها بالوظيفة المنوطة على عهدتها. لا أمل غير الأحزاب السياسية رغم أنها لم ترسل رسائل إيجابية ولم تظهر مؤشرات جدية.
وإذ نركز على الأحزاب فلأن بقية السيناريوهات ستهتم بأهداف الحراك الشعبي في البلدان التي تعرف مثل الحراك الاحتجاجي كالجزائر والسودان حالياً. ولا نعتقد أن طموح شعوبنا في الديمقراطية يتماشى مع سيناريوهات غير سيناريو دوران النخب السياسية على الحكم وتأمين الانتقال الديمقراطي بمشاركة سياسية من الأحزاب أولاً وأخيراً.
لذلك، فإننا يجب أن نتسلح بالصبر والتدرج في الطموح السياسي والديمقراطي وضخ الأحزاب بأكثر ما يمكن من الثقة كي تستطيع شق طريقها والالتزام بوظيفتها في المحافظة على الحكم ليكون شأن الحقل السياسي وحده. في مقابل ذلك من المهم أن تحسن الأحزاب التقدمية التعامل مع هذه الثقة وتجنيد إطاراتها لصياغة برامج واقعية حقيقية تجمع بين الإلمام بالواقع ورسم الأمل ووضع خطة براغماتية واضحة لتحقيقه. بمعنى آخر ليس المطلوب من الأحزاب كي تؤثر في القاعدة الانتخابية أن تبني الأوهام وأن تعطي وعوداً زائفة فذلك يأخذها نحو طريق عدم المصداقية والموت سياسياً والتأسيس لحياة سياسية مقبلة مليئة بالفراغ واليأس في الأحزاب.
 
المصدر: الشرق الأوسط