بيروت - لبنان

اخر الأخبار

أقلام عربية

8 حزيران 2019 06:45ص هكذا انتصرت في انتخابات إسطنبول وسأنتصر ثانية

حجم الخط

في الثالث والعشرين من يونيو، سيشارك مواطنو إسطنبول مرةً أخرى في انتخاباتٍ تُجرى على مستوى المدينة – للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر فقط. وفي الواحد والثلاثين من مارس، كنت فخورًا للغاية حيال اختياري عمدةً من قبل زملائي في إسطنبول – على الرغم من وجود ساحةٍ انتخابية منحازة ضدنا بشكلٍ كبير. إلا أن الحزب الحاكم الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان قد أعلن حينها اعتراضه على النتيجة وقام بتنشيط وتفعيل عمل المنظمة من أجل إعادة الانتخابات. وسنرى قريبًا ما إذا كانت هذه المقامرة ستؤتي بثمارها للرئيس وحلفائه أم لا.

وعلى مدار الخمسة والعشرين عامًا الماضية، كانت إسطنبول ولا تزال تحكمها قوى سياسية بنفس القدر الذي يتمتع به حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان. وعندما رشحت نفسي لمنصب العمدة في العام الماضي، واجهت معارضًا سياسيًا ذا خبرة وكان معروفًا على نطاقٍ واسع، حيث يعزى ذلك إلى أدواره كوزيرٍ سابق وزعيمٍ للبرلمان ورئيسٍ للوزراء. ومع ذلك، بدأت السباق مع الإيمان بأنني سأفوز في الانتخابات من خلال الانخراط مع الناس بشكلٍ مباشر، بغض النظر عن أيديولوجياتهم. وبالتالي، الإثبات بأن التنوع يمكن أن يكون نقطة قوة وليس نقطة ضعف.

 

وكرئيسٍ لبلدية بيليك دوزو (عبارة عن حي من أحياء إسطنبول حيثُ تندمج فيها مختلف الثقافات التركية)، تعلمت أنه من الممكن تجاوز حواجز انعدام الثقة والعداء الناجمتان عن سياسات الترهيب. لقد كان التركيز على الإدارة الجيدة للمدينة ودوري كمسؤول محلي مُتجاوب أمرًا حيويًا.

يجب على أي شخصٍ يختار الترشح للرئاسة في تركيا التكيف مع حالةٍ من جو القطبية الشديدة. ولقد قررت أن أواجه التحدي عبر تقديم نفسي بشكل مباشر إلى الناخبين، وهو ما يُمثل تحديًا هائلًا في مدينة يبلغ تعداد سُكانها خمسة عشر مليون نسمة. نعم، لقد كُنت عازمًا على المضي قُدمًا في خُطتي. ولقد بات إبداء حُبي واحترامي لسكان إسطنبول يُمثل أساسًا لحملتي.

لماذا؟ لأنني استنتجت أن اتباع نهجٍ كهذا هو بمثابة علاجٍ حاسمٍ لحالة القطبية والشعوبية الاستبدادية.

إن ما يجعل الأمر صعبًا على أي شخص يعارض حزب (اردوغان) العدالة والتنمية كي يحقق النجاح هو حقيقة أن حزب العدالة والتنمية الحاكم يسيطر على المشهد الإعلامي في بلدنا. وبالتالي، فإن مثل هذه البيئة كانت تقتضي مني أن أصب تركيزي على الوصول إلى الناس في المقام الأول. ورأيت أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي أمتلكها لأحظى بفرصٍ في الانتخابات. لذا شرعت في مقابلة أكبر عدد ممكن من الناس من جميع الخلفيات السياسية والثقافية. وخلال إجرائي حوارات فردية مع المواطنين، قام أفراد حملتي بتحويل هذه المحادثات الحقيقية إلى مقاطع فيديو لنشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ومن خلال القيام بذلك، وضعت قناعاتي الديمقراطية تحت الاختبار – لأنه لا يمكننا تغيير إسطنبول إلى الأفضل إلا من خلال الاستماع إلى بعضنا البعض والعمل معًا. وجذبت هذه المقاطع – التي كان يتم تداولها خلال فترة النقل المباشر – اهتمامًا كبيرًا بين أوساط العامة، كما منحتني فرصة للتواصل مع الناخبين على الرغم من البيئة الإعلامية التركية المتحيزة.

إن الطريقة المباشرة والأسهل لمعرفة الرأي العام في المدينة هو من خلال السير في طرقها وشوارعها. إنني أعتبر هذا الأمر من بين الأمور المفضلة لدي، كما بات بمثابة وسيلة الاتصال الرئيسية لحملتي. لقد مشيت لمسافات طويلة أثناء حملتي، وقمت ببناء الثقة مع المجتمعات التي تم تهميشها سياسيًا منذ عقود من خلال الالتقاء بهم أينما كانوا – في المقاهي، والحدائق، والملاعب، وفي طريقهم إلى العمل والمدارس والمساجد.

في تركيا اليوم، سيفهم أي سياسيٍ يصغي إلى المواطنين الاعتياديين بصدق، حقيقة الوضع على الفور. في حال لم تتحدث عن الطريقة التي من خلالها يمكن لك أن تتجاوز الصعوبات الاقتصادية وحالات الظلم الاجتماعية، لن يستمع الناس إليك أبدًا. فالمواطنون لا يملكون الوقت وليسوا مهتمين في المشاريع الصناعية الهندسية الضخمة أو الاستراتيجيات الاستثمارية الكبيرة. عليك أن تركز عوضًا عن ذلك على الفقر المنتشر في المدن وحالات الظلم – ضد الأطفال الذين لا يملكون الفرص التعليمية الكافية والنساء والشباب الذين يواجهون معاناة مع العطالة والأجور غير المتساوية، ناهيك عن كافة المجموعات الأخرى التي لا تحظى بأي أفضلية وبالكاد يتم إشراكهم في الحياة المدنية.

لقد كانت مكافأة رسالتي – في أن إسطنبول تحتاج إلى عمدةٍ أكثر تجاوبًا ومسؤولية – واضحة في صناديق الاقتراع. لقد انتصرنا بالرغم من العواقب المتتالية التي وضعها الحزب الحاكم لمنع تحقيق هاته النتائج. وبعد مضي سبعة عشر يومًا، وفي موافقةٍ لخطى الحزب الحاكم، جاءت المحكمة الانتخابية العليا لتبطل النتائج التي حققناها.

لذا، تبدأ الآن حملتنا الانتخابية – التي يعمل فيها نحو 155 ألف متطوع بشكلٍ يومي – من جديد، وأعيننا على تاريخ 23 يونيو. إنني أؤمن بشدة أنه إذا ما تم السماح لإرادة المصوتين بالتعبير عنها بحرية وعدل في إسطنبول، دون أي تدخلاتٍ في عمل القانون، فإن الطاقة الأخاذة للمواطنين ستظهر أنه بالإمكان الوقوف في وجه أي قوةٍ استبدادية. فالمرونة الحقيقية تتطلب أن نتجاوز الانقسامات من خلال الحوار والمشاورات مع الناس – وهي الدروس التي أثبتت إمكانية تطبيقها وتحقيقها في أماكن خارج الحدود التركية. إن التعددية ليست عدوتنا، سواءً هنا في الداخل التركي المحلي أو حول العالم. يجب أن نتبناها ونوظف القوة التي يجلبها التنوع.

المصدر: العربية نت