بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 كانون الثاني 2020 08:13ص أولويات إقتصادية لحكومة الإختصاصيين حماية الليرة... تفاؤل بالمساعدات واستعادة «المنهوبات»

حجم الخط
«المساعدات حاضرة، والزيارات الأولى ستكون لدول الخليج، وسعر الليرة سيتحسن، وسنعمل فورا بالتنسيق مع السلطات النقدية لمعالجة الوضع المصرفي واستعادة الأموال المنهوبة، وسنحمي الثروات الوطنية ونعمل على منع تبديدها أو الاعتداء عليها، وحماية الفقراء وفرص العمل وضمان الصحة والمدرسة والجامعة والخدمات العامة، وبالأرقام الدقيقة ندرس وندقق ونقارن ونعبر عن تطلعات المعتصمين الى استقلالية القضاء ومكافحة الفساد».. 

هذا كان أبرز ما جاء عن الاقتصاد في خطاب رئيس الوزراء الجديد بعد اعلان تشكيلة حكومة اختصاصيين لا يعرف منذ الآن عمرها ونوع ادائها ومدى قدرتها على مواجهة حراك منتفض يعتبرها (ومعه المعارضة المتمثلة بـ3 كتل سياسية رئيسية) حكومة «أمر واقع» و«لون واحد» ومجلس نواب في مشاريع الاصلاحات هو «الحكم وهو الخصم» في بلد تنهش من قدراته وثرواته محاصصات طائفية ومذهبية، كل الأمل أن تتمكن الحكومة الجديدة من التغلب عليها «بالحكمة والوقت» كما قال الرئيس دياب، في بلد لم يعد فيه لأي حكومة جديدة «فسحة لشراء الوقت» لاصلاح نظام اقتصادي يتعرض لضغوطات دولية، وشعبية وسياسية واقتصادية حيث معدل النمو لا يصل الى 1%! حسب التقدير الأخير للبنك الدولي على مدى السنوات 2019 إلى 2022 الى أكثر من 0.2% و0.3% و0.4% و0.5%! على التوالي، مقارنة مع معدل نمو لدول «الشرق الأوسط وأفريقيا» على مدى السنوات نفسها 1% و2.4% و2.7% و2.8% على التوالي، ومعدلات نمو عالمية 2.4% و2.5% و2.6% و2.7%. ومعدل نمو أفضل للبلدان الناشئة (باستثناء المعدل المتدني للنمو في لبنان) 3.5% و4.1% و4.3% و4.4%. وحيث الودائع المصرفية في لبنان تتقلص وتقلصت في شهر واحد (ت2) بـ5,8 مليارات دولار، ولا يبدو ان ودائع جديدة ستأخذ طريقها من الخارج الى لبنان. فيما تقارير اقتصادية بينها تقرير البنك الدولي عن «الآفاق الاقتصادية العالمية» أن أي حكومة لبنانية جديدة سوف تدشن مسيرتها بصعوبات اقتصادية تهدد بالمزيد من الفقر والبطالة، مما يوجب على حكومة الرئيس دياب الجديدة الاسراع بخطوات اصلاحية فورية منها: 

1 - مواجهة العجز المرتفع في الموازنة المتوقع بأكثر من 10% من الناتج المحلي.

2 - تحقيق فائض أولي حوالي ٥% من الناتج سنويا وعلى مدى ٥ سنوات. وقف نمو الدين العام الذي بات يقترب من ١٥٨% من الناتج.

3 ـ تثبيت جموح الدولار أمام سعر صرف الليرة ومتابعة تحركات السوق لتعديل السعر حسب المعطيات أولا بأول. 

4 - تعزيز احتياطيات العملات الأجنبية والتي قد تصل قريبا الى ٢٨ مليار دولار في وقت تواجه الدولة استحقاقات بالعملة الأجنبية (يورو بوندز) هذا العام بما قد يقترب مع الفوائد من 4.5 مليارات دولار.

5 - معالجة العجز المتواصل منذ العام 2011 في الحساب الجاري والذي قد يصل الى 8.5 و9.5 مليار دولار.

6 - اعادة الثقة لدى المودعين المقيمين والمغتربين للعودة الى استجلاب الودائع والاستثمارات..

7 - تشريع القوانين التي تمنع اتساع الفوارق بين أصحاب الأعمال والعمال، وعدم اتساع دائرة الفقر والعوز والأمية. اضافة الى تشريع القوانين التي من شأنها تشجيع الاستثمارات واطلاق طاقتها وحركتها، وضمان الرقابة القانونية الفعالية لمنع جنوح القطاع الخاص خارج الشرعية الطبيعية.

8 - الإنفاق المالي الكافي على الأبحاث العلمية، وبما يجعل مؤسسات القطاع الخاص أكثر قدرة على الابتكار والمنافسة مع مؤسسات القطاع الخاص في البلدان المجاورة.

9 - تعزيز النيابة العامة المالية عبر مؤسسات رقابية لضمان الشفافية والدقة والسلامة في التفاصُل بين البائعين والمشترين، وبحيث تكون المعلومات المتعلقة بالعمليات المالية والاستثمارية والتجارية في شفافية كافية وبما يمكن المستثمرين من رؤية الواقع الاستثماري بوضوح، وقد غابت هذه الرؤية حتى خلال الأزمة المالية الأميركية التي انتقلت عدواها الى أوروبا والى العديد من دول العالم، بينما هي غائبة من لبنان منذ عشرات السنين.

10 - الاصلاح المالي والهيكلي والاداري أمام ثوابت يصعب تحريكها أو تحريرها، وهي الأجور والرواتب وخدمة الدين وعجز الكهرباء التي تحتل بمجموعها الجزء الأكبر من الواردات، فلا يبقى للنفقات الاستثمارية سوى الجزء اليسير لا سيما لتطوير البنية التحتية التي هي الأساس في زيادة الانتاج ورفع معدلات النمو وتوفير المناخ الملائم لجلب الاستثمارات المحلية والخارجية.

11 - تخصيص أموال كافية للأبحاث العلمية، التي لها في الموازنة بند من قليل لكن دون جدوى. حيث الأجور والكهرباء وخدمة الدين لا تترك أي مساحة للبحث العلمي سوى ما نرى شبيها له من مساحات ضيقة «لمساعدات» ثقافية للمركز التربوي للبحوث والانماء، ودون ان يعني ذلك ما له صلة بالأبحاث العلمية الضرورية لتكبير حجم الاقتصاد بالابتكارات الجديدة التي تعطي القطاع الخاص فرصاً اضافية لزيادة الناتج.

12 - ضمان عدم تبديد الثروات الوطنية الطبيعية بطرق عشوائية أو اقتصادية أو غير مسؤولة، وذلك عبر تنظيم يأخذ بالاعتبار مصلحة الأجيال الحالية والمقبلة التي لها حصتها الكبرى من هذه الثروات. بدل ما يجري تبديده ليس فقط من ثروات لبنان الطبيعية وانما أيضاً استنزاف الطاقة المالية عبر الارتفاع المتواصل في الدين العام، وبما لا يترك في المجال لمساحة كافية للأجيال الطالعة كي تستثمر ما يكفي من الأموال الجاهزة. بل العكس ان تلك الأجيال ستجد نفسها محاصرة بالتزامات مالية متراكمة، لا تترافق مع قدرات أو مجالات كافية لأي سياسة مالية غير ممكنة الا بوجود فوائض حقيقية في موازنات الدولة، وليس فوائض أولية على طريقة موازنات لبنان الحاضرة التي تحتسب الفائض بعد اخراج خدمة اكلاف الدين العام دون باقي الأكلاف من نفقات الموازنة.

وأخيراً.. 

بل أولاً مكافحة الفساد حيثما وجد لا سيما في الادارات وتوفير الشفافية في العمليات المالية وبحيث يطمئن المساهم المستثمر الى حسن سير الأسواق حسب القوانين المرعية، وهو أمر معروف انه أمر غائب في لبنان. 

وكل هذه الضرورات لا بد أن تقوم بها أي حكومة جديدة كي تكتسب صفة «حكومة دولة» بالمعنى الاقتصادي العصري، ولو بالمعنى القديم منذ ان وضع الاقتصاديون الأوائل وقبل مئات السنين هذه المهمات حتى على عاتق الدول القديمة. فكيف في ظروف عصرية ومتطورة ومتغيرة فشلت «دولة» لبنان في سياسة اقتصادية اقتصرت جهودها على تلقي التدفقات الخارجية من حوالات وقروض ومساعدات وهبات، أو انتظار فرصة انخفاض الفوائد العالمية كي تربح معركة المنافسة على الودائع التي - ولو ربحتها - لا تحقق النمو الاقتصادي المطلوب، ما دام أكثر الطاقة النقدية والمالية والاقتصادية اللبنانية تذهب الى قطاعات ريعية وخدماتية او تجارية في دولة احتكارات وهدر ومحسوبيات ومحاصصات أو تلجأ الى الاستثمار خارج لبنان بشكل ايداعات أو مضاربات في أسواق عالمية فريسة تقلبات مالية واقتصادية تتسع تداعياتها منذ الأزمة المالية الكبرى عام 2008 في أميركا، وأوروبا من اليونان والبرتغال الى اسبانيا وايرلندا وايطاليا في عالم بات يحتاج الى نظام مالي تحكمه قواعد سليمة تمكنه من مواجهة أزمات باتت مجرد مقدمة للأزمات المقبلة الأخطر.. وهي في حال لبنان قد بدأت تطل بأشباحها في وقائع واحصاءات تهدد بنسبة فقر 50% وباضطرابات مالية واقتصادية.. وأمنية!