بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 كانون الثاني 2020 08:24ص إقرار موازنة من دون وزيرها وبحكومة غير مسؤولة عنها!

حجم الخط
بعد أكثر من 15 عاما من المخالفات والتأخير في مواعيد احالة الموازنات العامة الى مجلس النواب كثيرا ما كان الانفاق  يتم خلالها على القاعدة الاثني عشرية، «عادت حليمة الى عادتها القديمة» واستمر التأخر في احالة الموازنات الى مجلس النواب بدءا من موازنة 2019 التي كان من المفترض أن تحال الى مجلس النواب في تشرين الأول الماضي (حسب الموعد المحدد في المادة 83 من الدستور وأقرب بمادة وحيدة) وصولا الى موازنة 2020 التي أٌقرت  أمس ومن دون وزيرها، وبحضور حكومة قبل نيل الثقة وغير مسؤولة عنها، وبتأخير - وكالعادة - عن موعدها المحدد:

 { في الدستور:

المادة 83: كل سنة، في بدء عقد تشرين الأول، تقدم الحكومة لمجلس النواب موازنة شاملة نفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة. ويقترع على الموازنة بنداً بندا.

{ في الواقع:

1 - موازنة 2020 وصلت الى مجلس النواب في 27 كانون الثاني 2020 (وليس في تشرين الأول 2019 كما هو النص في الدستور).

2 - نفقات الكهرباء في الموازنة سلفة للكهرباء مع انها نفقات. 

3 - موازنة 2018 صدق عليها مجلس النواب في نهاية آذار 2019 بمادة وحيدة، وموازنة 2019 و2020 خارج المهل الدستورية ومن دون قطع حساب عما قبلها.

بين الدستور والواقع

{ في الدستور:

في المادة 84: لا يجوز للمجلس خلال المناقشة بالميزانية العمومية ومشاريع الاعتمادات الاضافية أو الاستثنائية، أن يزيد الاعتمادات المقترحة في مشروع الموازنة، أو في بقية المشاريع المذكورة، سواء كان ذلك بصورة تعديل يدخله عليها أو بطريقة الاقتراع.

{ في الواقع:

ما يحصل منذ 2006 وقبلها وبعدها كان مجموع الإنفاق على مدى السنوات يتجاوز هذا النص، وبطرق مخالفة لقانون المحاسبة العمومية كما في موازنة 2019 التي بعد أن أقرت متأخرة، استهلكت الجزء الأكبر من بنودها على أساس القاعدة الاثني عشرية.

{ في الدستور:

المادة 88: لا يجوز عقد قرض عمومي ولا تعهد يترتب عليه إنفاق من مال الخزينة إلا بموجب قانون.

{ في الواقع:

كثيرا ما تنفق الأموال،  والالتزامات تفرض على الدولة من دون قوانين.

{ في الدستور:

المادة 89: لا يجوز فتح أي التزام أو امتياز الاستغلال ورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية أو مصلحة ذات مصلحة عامة أو اي احتكار، إلا بموجب قانون والى زمن محدد.

{ في الواقع:

لا التزام بهذا النص، ولا بقانون النقد والتسليف بل إن الدولة تجد دائما ذرائع للتأجيل أو للتجاوز، مثل: ماذا تريدوننا أن نفعل؟ هل نؤجل ونوقف الدفع للكهرباء ونغرق لبنان في الظلام؟ وهل لا ندفع أصل وخدمة الدين العام ونعرّض سمعة لبنان للخطر؟ وهل نوقف دفع الرواتب والتقاعد ونحرم مئات آلاف المواطنين من أكلاف معيشتهم، أو  لا نقر الموازنة ولو متأخرة، ولو بمادة وحيدة، ونترك الدولة «فريسة» وكالات التصنيف الدولية أو فقدان ثقة المجتمع الدولي وحملة السندات.وهذا ما يجري الآن وطوال السنين الماضية، وغالباً بإنفاق على أساس القاعدة الاثني عشرية وأحيانا من دون اطلاع مجلس النواب شهرا بشهر كما في قانون المالية العمومية.

فوضى مالية

وهكذا فان الوصف الوحيد الممكن لهذا الوضع هو اننا في بلاد فوضى مالية (وسياسية) حيث أولا: لا يجوزالانفاق عن سنة جديدة قبل الانتهاء من اقرار سنة سابقة المحاسبة العمومية. وثانيا: إن من يقرر الانفاق ليس الحكومات وحدها، ولا وزارة المال وحدها، وانما مجلس النواب وحتى البنك المركزي بصفة رأي واستشارة أو وجهة نظر أو اعتبار لجهة حجم الانفاق ومدى تأثيره على السياسة النقدية المرتبطة بها الى حد بعيد أي سياسة مالية، وهو (أي المصرف المركزي) الجهة المسؤولة عن السياسة النقدية بموجب قانون النقد والتسليف، لا سيما انه يحق للمصرف المركزي، توجيه تحذيرات للسلطة المالية لجهة أي زيادة في الانفاق، وتأثيرها بصورة مباشرة على سلامة النقد الوطني التي هي احدى المهام الرئيسية من مهام البنك المركزي، فيما العقوبات «المعنوية» في العالم تفرض على كل دولة حال تخطي عجز موازنتها السنوية حدود الـ3% من الناتج، بينما عجز موازنة لبنان قد يصل الى 10 أو 11% كما في تقديرات صندوق النقد الدولي، وربما الى 15% كما قد تدل النتائج النهائية، ودون أن يكون هناك ما يفرض على السياسيين اللبنانيين - الى أي فريق انتموا - أي مساءلات، فكيف بالعقوبات التي تنص عليها «المعاهدة الذهبية» التي حملت توقيع 25 دولة أوروبية تلتزم بها كل دولة موقعة للمعاهدة باتباع موازنات سليمة وبوضع حد لديونها والتعرض لعقوبات صارمة في حال مخالفتها (المحكمة الأوروبية العليا تدرس ما اذا كان يتعين على كل دولة إدخال نص على سياسات التقشف في دستورها الخاص، وبما يفرض توازن الحسابات العامة).

وفي لبنان...

والتزام لبنان، ولو بالحد الأدنى من هذا التوجه الدولي العام، مرتبط الى حد بعيد بالدور الرقابي لديوان ممارسة المحاسبة (وهو دور له صفة قضائية) بحيث لا يمكن عقد النفقات إلا بعد موافقته، مع التنسيق والتشاور مع البنك المركزي. والدليل انه في 14 شباط 1990 شكل المجلس المركزي (المعطل الآن!) ومصرف لبنان لجنة من ثلاثة نواب للحاكم، عهد اليها الاجتماع مع وزير المالية من أجل التشاور معه حول طريقة الانفاق العام. 

كما شكل لجنة أخرى تدرس آثار الانفاق في القطاع العام على الأوضاع الاقتصادية والنقدية. 

فيما طرق الانفاق العام الحالية تتناقض مع هذه الموجبات لا سيما مع قانون المحاسبة العمومية الذي يلزم أي حكومة بان تعمل مالياً واقتصادياً واجتماعياً في ضوء الدستور والقانون وتحت اشراف المجلس النيابي وبشفافية كاملة تجاه الرأي العام والقوى الشعبية.