بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 كانون الأول 2020 07:17ص سعر صرف الدولار: الى الأمام سر!

حجم الخط
  مع ارتفاع الدولار أمس فجأة بـ٢٢٥ ليرة بعد مسلسل انخفاض، يستمر السعر في توتر دائم، دليلاً على عدم ثقة الأسواق بأن الطبقة السياسية ستلتزم بالإصلاحات التي دعا إليها مؤتمر مساعدة لبنان، وفي وقت تستمر المصارف والصرافون (أو الاثنان معاً) بسياسة جمع الكميات الوافرة من الدولارات.

فبعد ان جمع الطرفان بالتكافل والتضامن كميات كبرى خلال أقل من شهرين، بأسعار متهاودة بلغت ٦٠٠٠ ليرة، ها هم الآن يبيعون المحاصيل بـ٨٢٢٥ ليرة سعر أمس وبأرباح طائلة. وقد ارتبكوا «الفعلة» نفسها من نهايات العام الماضي الى بدايات ومنتصف هذا العام عندما في ظل تخويف الأهالي من احتمال انخفاض الدولار الى سابق عهده، جمعوا يومها كميات وافرة من ادخارات وحسابات الـFresh Money من الدولارات بأسعار ٤٠٠٠ و٥٠٠٠ ليرة ثم باعوها بأسعار بلغت مشارف الـ١٠٠٠٠ ليرة! وفي مد وجزر وجزر ومد ليس على الجرار بل على جرارات لم يعد بإمكان مصرف لبنان «فرملتها» بعد أن «نشف» لديه الاحتياطي الأجنبي القابل للاستعمال من حد الكفاف الى حدود الجفاف.

ليبقى السؤال: هل ان هذه العوامل وحدها التي تتحكم بسعر صرف مرشح للارتفاع المتواصل الى معدلات ارتفاع دراماتيكية ورغم وصف حاكم مصرف لبنان لها بأنها حركة تداول في «سوق سوداء» لا تشكّل أكثر من ٥ الى ١٠% من حجم التداول ووصفها بدوره نائب نقابة الصرافين بأنها «وهمية» -؟ أم أن هناك مؤشرات أهم أكثر وضوحا تتراوح بين ما يسمّى بـ «الماكرو» الكلي و«الميكرو» الجزئي الاقتصادي، والتي إذا لم تتمكن أي حكومة قائمة أو عتيدة أو مقبلة من التعاطي بها بحلول عملية وعلمية وخارج المصالح الفئوية المحاصصية أو السياسية الشعبوية، فان سعر صرف الدولار: الى الأمام سر.. ويا أيها اللبنانيون الانهيار وراءكم والخراب أمامكم! 

وأبرز هذه المؤشرات...

أرقام قياسية هي «المرآة الاقتصادية لأسعار الصرف الحقيقية» بدءا بانكماش الاقتصاد ٢٥% في أقل من عام، وارتفاع ٩% خلال ٨ أشهر في حجم الدين العام، وعجز بنحو ١٠ مليارات دولار في ميزان المدفوعات (مقابل عجز 5,8 مليارات دولار خلال عام كامل ٢٠١٩) وانخفاض موجودات مصرف لبنان الخارجية بـ11,3 مليار دولار، وهبوط إجمالي نشاط المصارف (متمثلا بانخفاض موجوداتها) بنسبة 11,2% بسبب انخفاض التسليفات (وتراجع الايداعات 16,7 مليار)، وتراجع حركة شيكات المقاصة 4,7%، وهبوط أسعار أسهم البورصة 14,5%، وانخفاض ٣٤% في مساحات رخص البناء الممنوحة حديثا (بعد تراجع 27,3% في الفترة ذاتها من العام ٢٠١٩) وانخفاض 44,5% في عائدات مرفأ بيروت بسبب انخفاض الحاويات 43,9% والبواخر الراسية 23,5% وحجم البضائع ٣٧% وعمليات المسافنة 31,1%، وهبوط عدد المسافرين عبر المطار 75,4% والرحلات الجوية 65,5% وحجم البضائع المصدرة والعابرة للمطار 19,1% والبضائع المستوردة والعابرة 44,8%. واللائحة تطول وتطول وتدوم...

بصيص نور؟

صحيح ان هناك رقمين أو ثلاثة يبدو من خلالها في آخر النفق «بصيص نور» في تراجع النفقات الحكومية بـ(19,1%) وانخفاض عجز الميزان التجاري (على أساس سنوي) ٥٩% وتراجع الاستيرادات الصناعية ٦٩% وارتفاع الصادرات الزراعية 21,8%، إلا أنه بدءا من تراجع النفقات الحكومية كان هناك بالمقابل تراجع أكبر في الايرادات (21,2%). وبرغم تراجع عجز الميزان التجاري ما زال هناك عجز بـ4,7 مليار دولار! فيما تراجع الاستيرادات الصناعية يطفئه تراجع الصادرات الصناعية، وارتفاع الصادرات الزراعية في شمعة ضوء صغير لقطاع مهدد بـ «الانهيار» حسب توصيف البنك الدولي و«الاسكوا» و«الفاو» وباقي التقارير الدولية واللبنانية الرسمية والنقابية.

وأمام هذه اللوحة الحافلة بأرقام ناطقة عن أزمة مستعصية، هل يمكن الاكتفاء بتفسير تراجع الليرة أمام الدولار بـ «سوق سوداء» اصطناعية أو بأسعار صرف «وهمية» أو بعوامل نفسية أو «مؤامرة» اقتصادية!.. فيما هذه العوامل رغم دورها العملي والنسبي، يبقى الدور الأكبر في «الجائحة» المزمنة السياسية الأخطر من الكورونا المؤقتة الوبائية، وبكل «منتجاتها» من أزمات مدمّرة مالية ونقدية وهيكلية وإدارية بكل تداعياتها الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية.