بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 آذار 2020 12:03ص التحقيقات القضائية مع مصارف بين «الاقتصاد الحر» و«الصالح العام»

حجم الخط
التحقيق مع 15 رئيس مجلس ادارة ومدير عام مصارف لبنانية بشأن تحويل الأموال وبيع سندات في الخارج، يطرح البحث للمرة الأولى في لبنان بين الخاص والعام في أعمال المصارف التي تعتبر في القوانين والاعراف الدولية أكثر من قطاع اقتصاد حر، بل هي أقرب الى مفهوم الدولة والمؤسسات العامة من مفهوم الفرد والمؤسسات الخاصة. والدليل إن أحد أهم الأهداف التي تحددت لعمل المصارف المركزية في العالم: «الاستقرار النقدي، وتوفير فرص العمل، وتحقيق النمو». والقول مشهور لمنقذ المارك الالماني الدكتور هاليمار شاخت: ان فكرة النقد مرتبطة بفكرة الوطن.

 وأمام التحقيقات في القطاع المصرفي الآن في لبنان، تزداد أهمية الموازاة بين الحرية الاقتصادية نص في الدستور، والحرص على المصالح العامة. بين عمل المصارف الحر والرقابة على المصارف في التحقق والتدقيق والتأكد من متانة القطاع المصرفي عبر تقييم ميزانياته سواء من حيث الرأسمال أم الودائع أم الاحتياطيات أم التقيد بالقوانين المحلية والمعايير المصرفية الدولية، كما في نص المادة 149 من قانون النقد والتسليف، لا سيما ممارسة لجنة الرقابة «لصلاحيات الرقابة الممنوحة لحاكم مصرف لبنان».

والآن، أم قانونية أم عدم قانونية حرية العمل المصرفي في تحويل الأموال (غير المشبوهة) وبيع السندات والأذونات في الداخل والخارج في ظروف استثنائية صعبة، وهل هذه الحرية يمكن للمصارف ممارستها بالمطلق بموجب مقررات مجالس ادارتها وضمن موجبات قانون النقد والتسليف فقط، أم ان هناك ما يسمى «الصالح العام» في عمل المصارف سواء لجهة سلامة النقد وحسن التصرف بالودائع في الاقراض والتمويل والاستثمار. 

وفي هذا المجال، هناك اجتهادات عدة في هذا الموضوع الأساسي والحيوي من الوجهة النقدية المالية الاقتصادية والاجتماعية. وهو موضوع يتنامى البحث فيه الآن لا سيما في ضوء الأزمة المصرفية الحالية التي أدت وللمرة الأولى في تاريخ لبنان الى استدعاء مسؤولي عدد من المصارف للتحقيق في مسائل عدة منها: أموال محولة خلال أزمة عامة شاملة وسندات جرى بيعها في الخارج أعطت جهات أجنبية حق «الفيتو» في مساءلة الدولة اللبنانية ماليا ونقدياً، بما ليس للصالح العام.

وبين هذه الاتجاهين، الى تعديلات أساسية في قانون النقد والتسليف بما يعزز جانب «الصالح العام» في العمل المصرفي الذي يعمل الآن في ظل مادة بالدستور ليس فيها ما يكفي من الدلالة أو المجال في الاجتهاد، هي المادة في الدستور المتعلقة بالتزام لبنان منهج «الاقتصاد الحر» الذي في نصوص المواثيق الدولية لحقوق الانسان يمنع القيود على الحقوق وعلى الملكيات الخاصة بما فيها بالطبع المال الخاص (من ودائع وغير ودائع). ولكن من الوجهة العملية حتى في الولايات المتحدة احدى قلاع الحرية الاقتصادية في العالم، هناك ضوابط تبدأ ومنذ القرن التاسع عشر في العديد من القوانين الاميركية التي تحد من استخدام هذه «الحرية الاقتصادية» ضد الصالح العام. وفي الدستور الأميركي يضع عبارة مميزة في تفسير «الاقتصاد الحر» بأنه ينبغي ان يخدم «الصالح العام» TO PROMOTE THE GENERAL WELFARE حتى انه في العام 1935 توسع هذا المفهوم «الصالح العام» في القوانين الأميركية بحيث بات يشمل كل ما يتصل بهذا «الصالح العام»، ولدرجة ان بعض المحللين الغربيين باتوا يعتبرون ان الاقتصاد الأميركي لم يعد اقتصاداً حرا تماما بل نموذجا مختلطا من الاقتصاد العام والخاص... بما يضع علامة استفهام على مضمون الفقرة (و) من دستور لبنان بشأن مفهوم «الاقتصاد الحر» لا سيما بالنسبة للقطاع المصرفي الذي هو احد الاعمدة الرئيسية في اقتصاد لبناني قائم حتى الآن الى حد بعيد على العائدات الريعية والخدماتية والتجارية.