بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 كانون الثاني 2020 12:03ص التحويلات إلى لبنان بين تغيرات الفائدة العالمية وتطورات أسعار النفط واتفاق أميركا ـــ الصين

حجم الخط
اقتصاد لبنان بين تأثيرات محلية وخارجية تطال لبنان المقيم وعلاقته بلبنان المغترب، منها إيجابيات احتمال أسعار النفط الى 80 دولارا، والتأثير الايجابي لخفض معدلات الفائدة العالمية على معدلات الفائدة المحلية في ضوء مستقبل العلاقة التجارية بين الصين والولايات المتحدة.

وبين السلبيات والايجابيات نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة، وكلها وسواها عوامل، لها تأثيراتها لا سيما على الأوضاع الاقتصادية لدى اللبنانيين العاملين في دول الخليج وفي البلدان الأميركية الشمالية والجنوبية، وعلى حجم التحويلات بالعملة الأجنبية الى لبنان، وتداعياتها على المصارف اللبنانية المتأثرة أصلا بالأحداث النقدية والمالية والسياسية والحراكات الشعبية.

وهذا فيما تراجع الدفق المالي من الخارج الى لبنان يزداد حدة ويضعف قدرة المصارف (ومصرف لبنان) على تلبية طلبات المودعين المتزايدة في ظروف مالية واقتصادية استثنائية رسمت فيها المصارف حدوداً ضيقة للسحوبات النقدية، اضافة الى اضطرار المصرف المركزي الى أن يسدد عن الدولة ما عليها من مستحقات عالية هذا العام بحوالي 2,5 مليار دولار بعد أن سدد عنها 1,5 مليارات دولار أواخر العام الماضي، في وقت يتوقع أن يصل عجز موازنة 2020 سنوياً ـ وعكس الأرقام الرسمية ـ الى 10 وربما الى 11% من الناتج المحلي الاجمالي.

ومع توقع ارتفاع المديونية العامة خلال هذا العام الى معدل 159,6% من الناتج بسبب تقلص الواردات الناتج عن الضمور الاقتصادي، تتجه الدولة والشعب الى حتمية التقشف الذي حاولت الدول الأوروبية المتعثرة تحقيقه لمواجهة الأزمات المالية المتتابعة وصولا الى أزمة 2008 التي أدت الى عكس المتوقع والمطلوب. 

فالدعوات «الاكاديمية» التي أوصت بعض دول منطقة «اليورو» المتعثرة بـ»التقشف» يجد أصحابها الآن صعوبات في تبريرها أمام العوارض السلبية الجانبية التي باتت تتكشف نتيجة هذه السياسة. حتى ان اكثرية الداعين الى التقشف ممن اعترفوا ان «الدواء» كان قاسيا، لم يتمكنوا حتى الآن من اكتشاف بديل يعيد عجلة الاقتصاد الى الانطلاق.

عنق الزجاجة

فكلما استشهد «خبراء الاقتصاد» بنظرية الاقتصادي الأميركي ميلتون فريدمان، للخروج من «عنق زجاجة» التقشف، ينسى بعضهم عنصرا أساسيا في هذه «النظرية النقدية» هي ان هذه السياسة ينبغي تطبيقها في حالات التوسع النقدي، وليس في حالات الركود... كما الركود الحاصل في لبنان الآن.

وهذا ما حصل في أوروبا حيث سياسة التقشف مع الركود أدت الى المزيد من الركود! والمزيد من البطالة. وفي اليونان واسبانيا هناك بين كل شبان من سن الـ25، ثلاثة عاطلين عن العمل. ولدرجة ان بعض الاقتصاديين الأوروبيين (لا سيما العاملين في اطار صندوق النقد الدولي) يعترفون بانهم لم يكونوا يتصوروا ان دعواتهم للحكومات الأوروبية المتعثرة الى التقشف، سيصل الأمر بهذه الحكومات الى هذا الحد من النتائج السلبية. 

وفي لبنان الآن تتراجع معدلات النمو باستمرار أمام ارتفاع معدل الدين العام بالمقارنة مع الناتج المحلي الاجمالي، ودون أن تتمكن الدولة من اللجوء الى أدوات تضع الاقتصاد على السكة السليمة. بل ان الأدوات النقدية والمالية لم تعد متوافرة لتحقيق المزيد من النمو، ما دامت الدولة محاصرة في زوايا ضيقة لا تستطيع الافلات منها. فاذا رفعت الضرائب تراجع الاستثمار وقامت المظاهرات، واذا خفضت النفقات ازداد الركود وازدادت أيضاً المظاهرات! 

وهكذا كلما يرى المواطن اللبناني كيف تحاول الدولة معالجة التراجع في الاقتصاد عادة بادوات نقدية ومالية، يتحسر كيف ان حكومات بلده لم تعد تملك هذه الأدوات لتعالج بها اقتصاد لبنان في بدائل صعبة منها:

1 ـ استخدام عجز الموازنة المرتفع لتنشيط الاقتصاد، في حين ان عجز الموازنة المرتفع في لبنان لا يمكن استخدامه الا لتسديد فوائد الدين العام، وعجز الكهرباء، ورواتب وأجور نصفها على الأقل لا يقابله انتاج.

2 ـ استخدام الفائدة، أو بالأحرى خفض الفائدة لتشجيع الاقتراض الاستثماري، لحل الأزمة المالية والاقتصادية وخفض البطالة. في حين أنه إذا هبطت الفائدة تراجع دفق الودائع الى لبنان.. وبالتالي فان استخدام سلاح الفائدة في لبنان لا يتخطى أكثر من حدود الحرص على الاستقرار النقدي. 

وبالتالي ستبقى الأزمة الاقتصادية وأمامها الأزمة المالية، ومعها معدلات البطالة مرتفعة، ومعها أيضاً تراجع الاستثمارات التي في حال لبنان لا تستفيد من فوائد مخفضة ما دامت الاستثمارات تصطدم بضعف البنية التحتية، والتجاذبات السياسية، والظروف الأمنية الداخلية والاقليمية التي لا تنفع معها حتى قرارات خفض الرسوم والضرائب لتشجيع الاستثمار، حيث غياب الاستقرار الأمني والسياسي، يجعل الناس تدخر الفائض المالي بدل استثماره. 

وهكذا الدولة مربوطة اليدين، فيما النمو يتراجع، والبطالة تزداد، والدين العام يعلو برأسه فوق الجميع، ويسود على الجميع. والجميع ساكت صامت عاجز. والى متى؟!