بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 نيسان 2020 07:23ص الفجوتان الغذائية والمالية في خطة الحكومة الإقتصادية

حجم الخط
العالم في وادٍ ولبنان وطبقته الحكومية والسياسية عموماً في وادٍ آخر. وكما هزّة الكورونا كما قال العالم الشهير Lovelock James أمس، تُصيب اقتصاد كل بلد وكل مدينة وقرية نتيجة نحر الإنسان للطبيعة، وردّها العفوي على نهب الانسان بـ»أوكسيد الكربون للقوى الطبيعية الحية».. هكذا أيضاً سلبت الدولة في لبنان واستنزفت ونهبت قوّة الشعب المالية وطاقته الاقتصادية بما لا ينفع لاستعادته خطط إنقاذ من حكومة مقيّدة بسلاسل النظام السياسي الذي أوجدها ويتحكم بقراراتها ومصيرها.  

ومن غرائب الأمور، أنّه رغم هذه السلاسل الغليظة في تركيبة سياسية ومالية تقيّد الاقتصاد وتشل النمو، فإنّ الخُرافة ما زالت سارية بأنّ النظام اللبناني يعمل بقاعدة «الاقتصاد الحر» (!!) الدستورية،  فيما واقع الأمور أنّه ومنذ ما قبل الاستقلال وبعده، كان النظام ولا يزال مُحاصصات طائفية واحتكارات تجارية ومالية وصلت عدواها حتى الى المؤسّسات والقطاعات الثقافية والتربوية والاجتماعية. 

مثلما هناك احتكارات للقطاع الخاص، هناك أيضاً احتكار أكبر للقطاع العام و»الاقتصاد الحر» ليس سوى العنوان والشعار والحجة والذريعة لدولة تمسك وتملك وتتحكّم وتستنزف، كما في أي دولة شمولية أو دكتاتورية، أكثر المرافق الاقتصادية الرئيسية من الكهرباء والماء والهاتف والبترول والغاز والنقل العام وسكك الحديد والكازينو والريجي وأموال الضمان الاجتماعي والعدد المضخّم من المدارس الرسمية والجزء الأكبر من قروض المصارف والدول والمساعدات والهبات العربية والدولية والكم الكبير من أموال البلديات والمجالس والصناديق على اختلاف أنواعها وأحجامها. 

  وحتى ضمن ما يُسمّى بـ»القطاع الخاص» هناك أذرع وامتدادات لدولة الطائف والطوائف والمحاصصات في مشاركات ضمنية في مختلف القطاعات ومختلف التلزيمات واالتعهدات  والمناقصات  والأملاك البحرية والبرية والأراضي الأميرية....

وفيما الحكومة الجديدة بدل أنْ تتصدّى لهذه اليد الفاعلة والنافذة  للشمولية المهيمنة على جسم الاقتصاد وقلبه وشرايينه، وبدل أن تجهد في كسر الاحتكارات العامة التي تعمل تحت شعار «العمل لمصلحة الشعب والصالح العام»، وتُعيد للشعب ماله المنهوب والمهدور، تزيد على الشعب الضرائب والرسوم والبدلات والموجبات وتبقى تحت راية عبارة «الاقتصاد الحر» في الدستور كل ما ترتكبه دولة الاحتكارات من موبقات!

والآن مع اجتياح الكورونا ونشوب الأزمة المصرفية تتزايد اتساع الفجوة الغذائية بمعدل 50% من ارتفاع أسعار وجشع تجّار وصعوبات تمويل الاستيرادات الناتج عن شح الدولار، إلى تراجع الانتاج في البقاع والساحل وسهول عكار، وبما اخترق في الصميم ميزانيات الأسر الفقيرة والمتوسّطة فيما الملامح الأولى لخطة الإنقاذ الحكومية لم تتضمّن «خطة طوارىء غذائية» على غرار خطة الكورونا الصحية، ومن كلاهما مصادر الموت موزّعة بين المرض والجوع. وبما يقتضي التعاطي بالقدر نفسه من الاهتمام مع الكارثة الصحية أو الغذائية المتمثّلة في الدرجة الأولى بالزراعة التي لم تتخط حصتها من ميزانية الدولة السنوية الـ0.1% وبمتوسط 120 مليار ليرة ولا تزيد حصتها من القروض عن 1% من مجموع القروض المصرفية، بما تسبب في تراجع القطاع الزراعي من نسبة 20% عام 1950 الى أقل من 8% الآن، وإلى انخفاض العمالة الزراعية من حوالى 50% من إجمالي اليد العاملة في لبنان إلى ما يراوح الآن بين 20 و30%، وبصادرات سنوية لا تزيد عن 150 مليون دولار وحد أقصى 200 مليون دولار، بما يقتضي لاسيما مع ارتباط الوضع الزراعي بالوضع الغذائي مواجهة جريئة وخطة اقتصادية ترفع انتاج لبنان الزراعي من أقل من 3 مليارات سنويا إلى عشرة أضعاف، وبتقنيات عالية من الادارة والترشيد والتطوير والري، إلى الوقاية من الأمراض والأوبئة والتلوث المائي والبيئي وصولاً إلى تحسين مستوى الإنتاج والتعبئة ورفع القدرة على المنافسة في الأسواق العربية والعالمية. لا سيما في اقتصاد دولي تسوده الآن «العولمة الزراعية» تزرع فيه الدول الواعية للمشكلة الزراعية والفجوة الغذائية، منتجات حتى تلك التي لا تلائم طقسها ومناخها وبيئتها، وبوسائل وتقنيات عصرية حديثة تدعمها المنح والارشادات الحكومية والقروض والتسهيلات المصرفية، والتي برغم غيابها في لبنان، استطاع المزارع اللبناني كسر حلقة العجز الزراعية التقليدية في ما كان في الماضي صعبا أو مستحيلا، ومع ذلك أنتج أصنافا جيدة من الفاكهة الاستوائية من المانغا والكيوي وسواها، لاسيما «الأفوكادو» الموصوفة من خطة «ماكينزي» إحدى المنتجات الزراعية اللبنانية التي يمكن أن تدر على لبنان موارد مجزية من العملات الأجنبية التي باتت تستحق أن توصف في محنة لبنان اليوم بالفعل بـ»العملة الصعبة والنادرة»!