في تقييم اقتصادي - عملاني صرف، وبموضوعية، وبلغة الأرقام (الأرباح والخسائر)، وبعيداً عن المواقف والخلفيات السياسية، يبدو واضحاً وبشكل قاطع، ان لبنان هو منصة أساسية من منصات إعادة اعمار سوريا، وأن الاقتصاد هو المستفيد من انخراط لبنان في هذه الورشة التي ترتقب نتائج المساعي السياسية الجارية على غير صعيد لإنهاء الحرب رسمياً في سوريا، وتالياً للإعلان عن انطلاقة ورشة الاعمار.
بالجغرافيا، وبالماديات والفنيات، لبنان هو المرشح الأبرز للاستفادة من انخراطه في ورشة اعمار سوريا. جغرافيا هو الأقرب، برا وبحرا إلى سوريا، ماديا وفنيا فإن القطاع الخاص اللبناني صاحب خبرة وباع طويل في عمليات إعادة الاعمار، كما ان القطاع الخاص، لا سيما المصارف، يتمتع بالكفاءة المالية المطلوبة لولوج مشاريع الاعمار، خصوصاً وأن المصارف اللبنانية دخلت السوق السورية قبل اندلاع الأحداث السياسية والأمنية في هذا البلد، وباتت على معرفة وصاحبة تجربة في السوق السوري.. إذاً انخراط لبنان بقطاعه الخاص في ورشة إعادة اعمار سوريا هو واقع ومصلحة وليس خيارا، وهذا الأمر يُؤكّد عليه كبار رجال المال والأعمال في لبنان، كما كبريات المصانع والشركات ذات الصلة بعمليات الاعمار، ذلك ان مؤسسات القطاع الخاص في لبنان تعاني منذ أكثر من خمس سنوات من انخفاض كبير في مستويات انتاجيتها، وتاليا فهي بحاجة إلى أسواق جديدة منتجة لمعاودة النهوض والبناء لمرحلة جديدة أكثر استقراراً، وأكثر انتاجية، وتالياً أكثر ربحاً.
وبحسب بعض كبار الناشطين من رجال المال في لبنان فإن العديد من شركات الاعمار والهندسة تم التأسيس لها في لبنان في الفترة القصيرة الماضية، كما ان العديد من المصانع ذات الصلة بانتاج مواد البناء باشرت أو تحضر لاطلاق عجلة انتاجها. كل ذلك من أجل تأمين الجهوزية المطلوبة للعمل في السوق السوري فور الإعلان عن قرار انتهاء الحرب.
وإلى ما تقدّم يتم توسعة وتعزيز تجهيزات مرفأ طرابلس لمواكبة عمليات إعادة الاعمار في سوريا، الأمر الذي سيوفر آلاف فرص العمل لأبناء عاصمة الشمال «المنكوبين» اقتصاديا بفعل الاهمال المزمن لعاصمة لبنان الثانية على مستويات الإنماء والتنمية الاجتماعية والبشرية.
وكما هي العادة في الأوقات الصعبة والحرجة التي تتطلب مواقف وقرارات جريئة، تتجه انظار القطاع اللبناني الخاص صوب الرئيس الفخري للهيئات الاقتصادية الوزير السابق عدنان القطار لتهيئة وتحضير الأرضية المناسبة لمنصة إعادة اعمار سوريا التي ستنطلق من لبنان، وتالياً لتسويق ولوج الشركات اللبنانية السوق السورية، وهو الأمر الذي لن يكون سهلاً ابداً.
لماذا القصار؟
عن هذا السؤال يقول أركان القطاع الخاص في لبنان ان عدنان القصار شخصية متميزة وفريدة. منهجية وسلوك القصار ساهما في تكوين شخصية الرجل بما يشبه الفرادة والاستقلالية. مكنه ذلك، وهو البعيد عن الرواسب الطائفية والتزمّت الديني، أو الرواسب السياسية «المستفزة»، من بناء علاقات طيبة ومشبعة بالاحترام مع أوساط واسعة من النسيج اللبناني في مختلف المواقع، من دون التخلي عمّا اعتبره مبادئ أساسية في حياته، وهي وحدة لبنان وسلطة المؤسسات وعلاقات متينة مع أشقائه العرب وانفتاح بلا حدود على الخارج، تحت سقف الحرية والديمقراطية والنظام الاقتصادي الحر والمبادرة الفردية.
ويراهن أركان القطاع الخاص، ايضا، على «عمق» القصار الدولي (أوّل لبناني وعربي وشرق اوسطي تولى رئاسة غرفة التجارة الدولية)، وعلى «عمقه» العربي، حيث ترأس اتحاد الغرف العربية لسنوات طويلة.
.. في المحصلة ان حصة لبنان من مشروع إعادة اعمار سوريا ستكون وازنة ومضمونة إلى حدّ بعيد، ذلك انطلاقا من الأسباب التي سبق عرضها.
إبراهيم عواضة