بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 آذار 2020 12:16ص «الكابيتال كونترول» بين الحكومة والمصارف

حجم الخط
توقفت الجهات القانونية والمصرفية عند مواد مشروع قانون «الكابيتال كونترول» التي تعطي البنك المركزي صلاحيات تحديد السحوبات من المصارف مباشرة أو عبر البطاقات الالكترونية داخل وخارج لبنان، وتحديد سعر صرف قيمة الاستحقاقات بين الليرة اللبنانية والعملات الأجنبية، بالتنسيق مع وزير المال وجمعية المصارف، وهي الصلاحيات التي تطلب الحكومة أن تنتقل من البنك المركزي الى مجلس الوزراء.

وفيما ترى بعض الجهات أن الموقف الحكومي مبرر وقانوني بمجرد تعديل مجلس النواب على تعديل نص المشروع لصالح مجلس الوزراء، ترى جهات أخرى ان المشروع يحتاج بداية الى تعديل المواد ٢ و٣ و٤ من قانون النقد والتسليف المتعلقة باستقلالية البنك المركزي، على غرار استقلاليات المصارف المركزية في العالم، رغم ان سلطات سياسية تجاوزتها أخيراً كان منها في العام الماضي فرض كل من الحكومة الهندية والحكومة التركية، سعراً أدنى للفائدة المصرفية، ما أدّى الى استقالة محافظ البنك الهندي وإقالة محافظ البنك التركي.

وفيما يتراوح حجم ومدى استقلاليات المصارف المركزية العالمية بين الحد الأقصى كما في ألمانيا، والحد الأقل نسبيا كما في بريطانيا لصالح السلطات المالية، يعطي قانون النقد والتسليف في لبنان البنك المركزي كما في النص «شخصية معنوية خاصة واستقلالا إداريا عن الدولة لا يخضع لقواعد الإدارة وتسيير الأعمال وللرقابات التي تخضع لها مؤسسات القطاع العام في التفتيش المركزي وديوان المحاسبة وقانون المحاسبة العامة». كما تعطي حاكم مصرف لبنان كما في النص «أوسع الصلاحيات لإدارة المصرف العامة وتسيير أعماله «وبصفته» الممثل الشرعي للمصرف يوقّع باسمه على جميع الصكوك والعقود والاتفاقيات، ويصدر النصوص التنظيمية المناسبة لتحقيق أهداف المصرف العامة». 

إلا أنه من جهة ثانية، يعطي القانون «المجلس المركزي» الذي برئاسة حاكم مصرف لبنان وعضوية نواب الحاكم الأربعة، ومدير المالية العام، ومدير عام الاقتصاد (بصفتهما الشخصية وليس بصفتهما الحكومية!!) صلاحية تحديد السياسة النقدية والتسليفية، ووضع الأنظمة المتعلقة بعمليات المصارف، واتخاذ جميع التدابير التي يراها المجلس المركزي ملائمة للابقاء على الانسجام بين السيولة المصرفية وحجم التسليف في المصارف واستخدام الوسائل التي من شأنها أن تؤمن تسيير عمل مصرفي سليم»، وهذا تتنقل الصلاحيات وتتوزع بين حاكم مصرف لبنان والمجلس المركزي في مصرف لبنان.

علماً انه باستثناء اطلاع مفوض الحكومة والرقابة من قبل لجنة الرقابة على المصارف، لا يعطي القانون لنواب الحاكم صلاحيات محددة. غير انه للحاكم أن يعطيهم مهاما... «كما في نص القانون الذي رغم انه يعطي البنك المركزي الاستقلال المالي، لكنه يلزم حاكم المصرف بأن «يقدم الى وزير المال كل سنة الميزانية (العمومية) وحساب الأرباح والخسائر وتقريرا عن عمليات المصرف خلال السنة، وتوزيع ٨٠% من أرباح المصرف الى الدولة» وهي موجبات يقول معارضو السياسة النقدية ان المصرف لم يلتزم بها أو ببعضها بصورة دورية، فيما تصريحات الحاكم تقول ان مصرف لبنان ملتزم بها كل عام. 

ولعل الفراغ الحالي في مصرف لبنان لجهة انه لم يعيّن حتى الآن لا نواب حاكم ولا مجلس مركزي ولا لجنة رقابة، إضافة الى «الظروف المصرفية والمالية «الاستثنائية» الحالية، كما هو التعبير في مقدمة مشروع قانون «الكابيتال كونترول» هي الأسباب الرئيسية التي دعت أو شجّعت الحكومة على الدخول الى الخطوط الأمامية لمصرف لبنان، كي تأخذ لمجلس الوزراء بعض الصلاحيات المعطاة في قانون النقد والتسليف؟ لمصرف لبنان، لا سيما لجهة تقرير حجم السحوبات الدورية من المصارف.

أما لماذا أعطي البنك المركزي منذ تأسيسه «شخصية معنوية خاصة واستقلالا إداريا مستقلا عن الدولة» كما في نص قانون النقد والتسليف، فالسبب ان الرئيس فؤاد شهاب الذي افتتح مصرف لبنان في عهده، كان لا يثق بالطبقة السياسة اللبنانية الحاكمة التي كان يطلق على أركانها لقب الـ «فروماجيستس» أو «أكلة الجبنة» (من الكلمة الفرنسية Fromage) وكان يخشى أن تتوسع «الوليمة السياسية» الى البنك المركزي، فأعطاه الكثير مما لدى بعض المصارف المركزية على سبيل المثال في فرنسا وألمانيا من استقلالية واسعة، تعزل الأهداف النقدية والمصرفية عن الأهداف والمصالح الانتخابية للسياسيين على غرار ما حصل أخيراً للرئيس ترامب الذي جاء قرار الفدرالي الأميركي (البنك المركزي) الأسبوع الماضي خفض الفائدة، «ضربة حظ» انتخابية، يتوقع أن تعطيه ملايين الأصوات الإضافية في معركته الرئاسية المقبلة.

ولعل الوسيلة التي لجأ إليها الرئيس شهاب بإبعاد البنك المركزي عن أيدي (وجيوب!) السياسيين، كانت بمثابة «سابقة» للتشريع الذي أقرّه مجلس النواب في فترة رئاسة الرئيس الحسيني، بمنع بيع أو رهن أو استخدام الذهب «بصورة مباشرة أو غير مباشرة» كما ورد في نص القانون الذي عزل الذهب يومها عن ميليشيات الحرب وما زال حتى الآن في منأى عن دولة الفساد والهدر والمحاصصات.