المعروف ان اقدم شجرات زيتون في
العالم موجودة في بلدة بشعله البترونية .ويطلق عليها شجرات زيتون نوح ، او
الشجرات الاخوات. وهو اسم يطلق على اقدم 16 شجرة زيتون في بشعله يقال ان
عمرها يفوق ال 4000 سنة.
هذه الشجرات القابعة في احضان بلدة بشعلة هي خير شاهد على تغيير
الحضارات ، والتقلبات المناخية،الطقس الحار المبكر، والرياح التي رافقته
والتي قضت هذا العام على جزء من الزهر قبل أن يعقد، وجرّت معها اليباس،
وهذا احد اهم اسباب انخفاض موسم الزيتون في البترون كما في أكثر من منطقة،
خصوصاً في الاراضي المزروعة زيتون ومكشوفة للرياح.
وهكذا إن ما يجمع بين مواسم الزيتون في البترون كما في كافة المناطق
اللبنانية هو الإهمال الرسمي لهذا النوع من الاشجار التي تصاب بمرض عين
الطاووس. ويتلاقى هذا الإهمال مع غياب الارشاد الزراعي قبل الموسم، وخلاله
وما بعده، ومن ثم ازمة التصريف التي تتساوى فيها كل المنتجات الزراعية.
أزمة التصريف والمضاربة في قطاع الزيتون دفعت عدداً من المزارعين الى قطع
أشجار الزيتون وتحويل بساتينهم الى مساحات بمتناول المستثمرين في القطاع
العقاري.
اذ أنّه أمام ازمة تصريف الانتاج والمضاربة لم يستطع المزارع البتروني دفع
تكاليف الانتاج من ايجار الحراثة الذي يبلغ 30 دولاراً للدونم، عدا الرش
.وقد تقاسم احد اصحاب البساتين المحصول مع أحد المزارعين الذي يعمل وعائلته
كلها في القطاف، موفّراً بذلك إيجار العمال.
وهناك مزارعون يؤمنون بصعوبة عمالاً لبنانيين.وفيما تتراوح الأجور بين 70
الف ليرة ،يزياد عليها ثمن الصفيحة زنة 14 كيلوغراماً، او «غالون» بلاستيك
ثمنه 5 آلاف ليرة، ويضاف ايضا مع اجور العصر للصفيحة بين 15 و20 الف ليرة
او بدل زيت عُشر الكمية المنتجة لصاحب المعصرة
وقد بدأ قطاف الزيتون هذا العام باكراً، وقد شارف الموسم على
نهايته.وتنشط اليد العاملة السورية في موسم القطاف في مقابل اليد العاملة
اللبنانية الخجولة .وفي حين يتقاضى العامل اللبناني 50 الف ليرة يومياً
يتقاضى السوري 30 الف ليرة.
مواسم الزيتون في البترون تعاني منذ سنوات من تراجع في الانتاج.وذلك يعود
إلى عدة عوامل. الا ان هذه الزراعة تحتاج الى لفتة من قبل وزارة الزراعة
لجهة الإرشاد الزراعي، وتأمين الأدوية الزراعية للمزارعين، وتشجيعهم على
إنشاء التعاونيات الزراعية، ومكننة القطاف التي ما زالت في بداياتها. ان
زراعة الزيتون تحتاج الى تطوير لتواكب المنافسة في الأسواق طبعا اذا تأمّنت
الأجندة الوطنية لتصريف الزيتون اللبناني الذي طالما اقتصر على دعم
المؤسسة العسكرية .وتبرز الحاجة ماسة اليوم الى إنشاء صندوق تعويض عن
الخسائر التي تحدثها العواصف ومياه الامطار بموسم الزيتون كل سنة ولا من
يسأل . والأهم من كل ذلك احتضان زراعة الزيتون ودعمها وشمول مناطقها
بالإنماء المتوازن، ليبقى المزارع في أرضه.
.
وفي حين يشكّل الزيتون المعمّر في بشعله أعجوبة صامتة من أعاجيب الطبيعة في
لبنان.ان جودة الزيت البتروني معروفة وكلفتها عالية نسبياً لأنها تنتج
بتأن ودقة. الا ان كلفة تنكة زيت الزيتون التي وصلت في السنوات الماضية
الى 125 دولارا لم يصل هذه السنة الى المئة دولار.
تعتبر زراعة الزيتون من الزراعات القديمة والناشطة في لبنان بشكل عام وفي وسط وساحل البترون بشكل خاص.
يشكّل انتاج لبنان السنوي من الزيتون في المواسم الطبيعية حوالى 220 ألف
طن، ويتراوح انتاج منطقة البترون بين 3500 و4500 طنا. وقظ أجمعت التعاونيات
الزراعية في وسط وساحل قضاء البترون الى ان نسبة الحملان في أشجار
وبساتين الزيتون كانت في بداية الموسم حوالي الثلاثين في المئة.وخلال
الموسم بدأ يظهر التفاوت في حملان أشجار الزيتون في البساتين بين بستان
وآخر وبين شجرة وأخرى.
محصول الزيتون في البترون يعاني هذا العام أيضاً من السوسة التي ضربت
حبات الزيتون على الشجرة. مما أدى إلى سقوط حبات الزيتون أرضاً .
وهكذا فإن الانتاج المتراجع قابله حسب أصحاب المعاصر مقطوعية جيدة اي نسبة
55 كيلو زيتون لكل تنكة الزيت بينما قد تصل هذه النسبة أحيانا إلى خمسة
وسبعين كيلو لتنكة الزيت الواحدة.
هذا لا يعني أن قطاع الزيتون بأفضل حال وأن المزارعين راضون عن موسمهم لهذا
العام. فالإنتاج لم يسد الكلفة وزراعة الزيتون أغرقت المزارعين بخسائر لن
يتمكنوا من النهوض منها، خصوصاً أن تكدس الزيت من العام الماضي لا يزال
يرخي بثقله على موسم الزيتون الذي لم يفاجئ المزارعين لأنهم اعتادوا على
غضب الطبيعة في معظم المواسم . الا ان تراجع الحملان ترافق هذا العام مع
السوسة التي ضربت حبات الزيتون .واستفاق المزارعون عند حصاد الموسم ليجدوا
أشجار الزيتون الفارغة الى جانب الأشجار التي ترزح تحت الحمولة .
المزارع في البترون كما في كل مناطق الشمال يبيع زيتونه وزيته على الطلب من قبل أهالي البترون او من المناطق المجاورة .
ومع تنامي المضاربة من الاسواق اللبنانية برز الزيت السوري الاقل كلفة على
جيبة المواطن اللبناني الذي يرزح تحت ضائقة اقتصادية كبيرة مع غياب
الحكومة .وهكذا ان تراجع الطلب على الزيت الجيد واضح .ويفضّل معظم
اللبنانيين شراء الزيت السوري أو ربما أيضا زيت السنوات الماضية لأنه أقل
كلفة على جيوبهم
اذاً المزارع البتروني لم يستطع الحصول الا على عشرين في المئة من انتاج
الزيتون السنوي اضافة الى آفة السوس، مما دفع أحد المزارعين للقول "لا
نوعية ولا حملان" هذه السنة وبالتالي فان المحصول بالكاد يسد كلفة الانتاج
ويشير الخبراء أن ″الانتاج في لبنان هذا العام لم يتجاوز الـ 20 والـ 25%
قابله ايضا تراجع انتاج في العديد من دول المنتجة للزيت والزيتون في اوروبا
الى ٣٥في المئة . وكل ذلك جاء نتيجة الطقس والعوامل الطبيعة التي لم تأت
مناسبة للزيتون.″
ظاهرة السوس والزيتون المتساقط ارضا وبحسب العارفين تضرب نوعية الزيتون
الجيدة وتخفف من قيمة الزيت ومن مذاقه وسعره . بالتالي أن سعر تنكة الزيت
في البترون لم يتجاوز المئة دولار الى المئة وثمانين ألف ليرة في الحد
الأقصى. بينما وصل سعر تنكة الزيت في مناطق لبنانية أخرى الى مئتي ألف
ليرة.
ومع هبوط اسعار الزيت وكمية الانتاج رفع المزارعون الصرخة للكارثة
الزراعية المعيشية التي حلّت على بساتينهم التي تشكّل مصدر رزق أساسي لهم
ولعائلاتهم.