بيروت - لبنان

اخر الأخبار

31 كانون الثاني 2020 12:04ص بانتظار نتائج «الورشة الاقتصادية» الأولوية... استعادة الموازنة

حجم الخط
«هلع» (Distress) هو التعبير الذي اختاره موقع Bloomberg في ما أسماه «المحنة» التي يواجهها لبنان في حال خفضت الوكالات الدولية تصنيف لبنان السيادي، إذا قررت الحكومة الجديدة تأجيل استحقاقات سندات «اليورو» البالغ مجموعها 30 مليار دولار والتي هبطت أخيراً الى 78 سنتا من كل دولار، انخفاضا من 97 سنتا التي كانت عليه قبل الحراك الشعبي في تشرين الأول 2019. 

واعتبر الموقع في الوقت نفسه ان دفع السندات من شأنه استنزاف جزء من صافي احتياطيات مصرف لبنان البالغة - حسب تقديرات الموقع استنادا الى وكالة «فيتش» الدولية - حوالى 12 مليار، يحتاجها لبنان لأهداف عدة منها: استمرار الثقة بأوضاعه النقدية، مواجهة السحوبات المتواصلة من المصارف بالدولار، وتمويل استيرادات بفارق بين الصادر والمستورد، بحوالى 18 مليار دولار، اضافة الى دفع مستحقات مقبلة على الدولة بالدولار، وأعباء عجز موازنة 2020 (4.2 مليارات دولار). وأعاد الموقع التذكير بأنه إذا اختار لبنان ما يسمى «فترة توقف مؤقت عن الدفع مؤقتا» (Moratorium) فان النتيجة قد تؤدي الى احتمال تأليف «لجنة دائنين» تتولى  مفاوضات مع الحكومة اللبنانية، بموافقة 75% منهم من ناحية حجم الديون العائدة لهم من المجموع، مع استدراك الموقع بأن النفوذ الذي يتمتع به مصرف لبنان مع كبار الدائنين قد يلعب الدور الرئيسي في قبول أكثرية اللجنة مبدأ اعادة جدولة الديون. مع الاشارة الى ان فترة «التوقف المؤقت عن الدفع» في حال دول عدة استغرقت سنوات، كما في حال الأرجنتين عام 2001 التي طالت 15 عاما، بينما حالة فنزويلا ما زالت تراوح مكانها من دون تقدم، مقابل عام واحد استغرقته حالة أوكرانيا، بسبب الدعم الذي وفره صندوق النقد الدولي لعملية اعادة جدولة ديونها. 

.. وفي حال لبنان

أما في حال لبنان، سواء لجأ الى دعم صندوق النقد أم الحل بالقدرة المالية الذاتية، فان هذا الأمر في الحالتين يحتاج الى اصلاحات واعادة هيكلة مالية وادارية، بدءا من انتظار نتائج أعمال الورشة المالية - الاقتصادية التي تشرف عليها الآن الحكومة الجديدة بالتعاون مع البنك المركزي وجمعية المصارف، والتي كما قال رئيس الحكومة «تعقد خلال وضع لا يحتمل نظريات وتجارب.. وتحتاج الى رؤية علمية وواقعية تضع اليد على الجروح في مرحلة دقيقة تحتاج الى اعادة الثقة».

يبقى السؤال: كيف يمكن العلاج واستعادة الثقة، بموازنة غابت عنها رؤية اقتصادية شاملة من أهم عناصرها: تحفيز النمو الاقتصادي وتقليص الفوارق الاجتماعية، وتلبية متطلبات مؤتمر «سيدر» من الاصلاحات الأساسية كشرط للتدفقات النقدية، والبدء بمشاريع تطوير الخدمات الرئيسية لا سيما في مجال البنى التحتية والصحية والتعليمية، اضافة الى ضرورة اقفال المعايير غير الشرعية ومكافحة التهريب والتهرب الضريبي، واصلاح الكهرباء، وخفض الحجم الوظيفي للقطاع العام.

تنشيط الاقتصاد لا يكفيه علاج المشكلة النقدية 

وحتى مع الوصول في الأمد المنظور الى حلول نقدية تبعد هواجس المقيمين والمغتربين وباقي المستثمرين والمودعين العرب، فان الوضع الاقتصادي سيبقى الهاجس الأكبر، حيث الاستثمارات في الداخل من مشاريع لخلق فرص عمل جديدة تبدو متوقفة، والاستثمارات التي يمكن أن تأتي من الخارج معدومة، ومثلها توقف الودائع من الخارج، باستثناء ما يرسله المغتربون اللبنانيون الى عائلاتهم في لبنان.

أما بالنسبة للطاقة المالية الذاتية، فان نزيفها يتواصل بشكل يهدد البنية المالية والمصرفية والاقتصادية، حيث عجز موازنة الدولة (10  الى 11 وربما 15% من الناتج) يضاف اليه العجز الكبير في ميزان المدفوعات والارتفاع المتواصل في خدمة الدين (155% من الناتج). وحيث الجزء الأكبر يذهب للدولة ونفقاتها الذاتية وجهازها الوظيفي المتعاظم (350 الف موظف وعامل) لا يصل الى باقي المواطنين منه إلا النزر اليسير، بدليل الرقم الهزيل المتبقي من خدمة الدين والرواتب والأجور وعجز الكهرباء، وبما يضعف القوة الشرائية، ويعطل حركة الاستثمار، ويترك البلد فريسة ركود تضخمي يترك بصماته على الأمن والأمان للجزء الأكبر من المواطنين، في وقت تدل احصاءات البنك الدولي على أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي الى معدل فقر 50% من مجموع الشعب اللبناني!

وحتى مع التحسن النسبي في السوق العقارية، فان هذا النوع من الاستثمارات، كما في الاستثمار في السندات، يبقى نوعا من «العائدات الريعية» التي لا تصل الى شرايين الاقتصاد الانتاجي، بما نشهده الآن من ارتفاع من 20 و25 أو 30% في الأسعار الراكدة في القطاع العقاري، وفي مجرد انتقال «بشيك مصرفي» من وديعة الى وديعة، بعمليات تبادل داخلية، من دون ان يترافق ذلك مع دخول عملة صعبة من مصادر خارجية تساهم في ردم العجز المتواصل في ميزان المدفوعات.

والمشكلة أنه حتى بوجود حكومة جديدة وبما تضمه من اختصاصيين، فان المبدأ البسيط في الحكومات الجديدة ان تسبقها «خطة اقتصادية ومالية ونقدية وانمائية شاملة»، هي الأساس في مبرر وجودها، ولا يكفيها المبرر الوحيد أن تكون نتيجة «توافق» بين أفرقاء السياسة وتلبية معطيات محاصصية طائفية ومذهبية.