بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 كانون الأول 2019 12:01ص تحت مجهر مؤتمر باريس الانقاذ الاقتصادي بحكومة تنال ثقة دولية

حجم الخط
الأهمية الأولى  لأعمال ومداولات مؤتمر باريس هي في اجماع الدول المشاركة على خطورة الأزمة المالية اللبنانية وتأثيراتها السلبية على الاستقرار الاجتماعي والأمني وبما يقتضي وقف التدهور الاقتصادي ومعالجة الخلل البنيوي في النموذج الاقتصادي اللبناني  بما يستدعي الاسراع  في  تأليف حكومة تلبي التطلعات التي عبر عنها اللبنانيون في الحراك المدني ١٧ تشرين الاول .  

والثانية هي ان شروط المؤتمر تجعل من الثقة الدولية بأي  حكومة لبنانية تولد من أي استشارات نيابية، عنصراً أساسياً لا  يكفيه ثقة النواب أو حتى مجرد قبول الاحتجاجات الشعبية، وذلك على غرار ما حصل في عديد البلدان التي اشترط عليها، وجود حكومات  بوزراء يجيدون «لغة» المجتمع الدولي وقراءة  أفكاره ومنهجه في السياسات النقدية والمالية والاقتصادية، لا سيما اذا كان البلد المعني، كما في حال لبنان الآن، في غرفة  «الانعاش الاقتصادي» أو معرضا لاحتمالات الحظر النقدي والمحظورات المالية التي اذا مورست على لبنان ستكون حاجزا عاليا في وجه أي علاج يبدو مستعصيا حتى دون الضغوط الدولية، فكيف بوجودها وتزايدها كما هو حاصل الآن في مرحلة استثنائية يحتاج خلالها لبنان نقديا واقتصاديا الى الدعم الدولي والعربي. وقد كان هناك الكثير من الحالات التي كانت فيها حقيبة  وزارة  المال أو  حاكمية البنك المركزي أو حتى رئاسة الوزراء في عهدة شخصيات مقبولة من المؤسسات الاقتصادية والاستثمارية الدولية، كما على سبيل المثال حال بعض دول عربية وأفريقية أو اميركية لاتينية حيث تغافل الدولة أو عجزها عن القيام بأولويات الاصلاحات المالية والهيكلية والادارية يجعلها تفقد ثقة المجتمع الاقتصادي الدولي كما في حال لبنان الآن حيث الأزمة المالية قد تدفع معدل الفقر الى حدود الـ٥٠%!

علما ان النصائح والتوصيات عادة لا تجد آذانا صاغية في لبنان، ليس بالضرورة بسبب موقف سلبي لبناني تجاهها، وانما بسبب ان هذه النصائح في واد ولبنان في واد آخر! ومنها على سبيل المثال مقابل توصية مؤتمر باريس خفض عجز الموازنة يزداد العجز، أو يجري «لغم» الموازنة بجعل فاتورة عجز الكهرباء «سلفة» بدلا من نفقات. ومقابل توصية المؤتمر خفض حجم القطاع العام وكلفة الأجور قدمت الدولة سلسلة الرتب والرواتب ولو بكلفة ٢ مليار دولار سنويا. وعلى حد قول أحد النواب أخيراً  في كلمته في البرلمان: «نحن نكذب عليهم وهم يعرفون اننا نكذب عليهم»! ومقابل نصائح المؤتمر ضرورة سن التشريعات الحديثة، يبقى مجلس النواب عاجزا عن اصدارها بسبب الصراعات السياسية والفئوية. ومقابل توصية المؤتمر باقامة شبكة أمان اجتماعية واصلاح البنية التحتية تفرغ الدولة خزينة من المال  فلا يبقى ما  يكفي لتنفيذ التوصية باصلاحات مالية وادارية وهيكلية خارج اطار التجاذبات السياسية والطائفية أو المذهبية أو المحاصصية أو المحسوبية أو الاستنسابية والعشوائية.

وهكذا من توصيات مؤتمر باريس إلى ضغوطات صندوق النقد الدولي  يعجز لبنان عن تلبية الدعوة لخفض النفقات، بل يزيدها باستمرار عبر الهدر والفساد والامتناع عن الاصلاحات المالية والهيكلية والادارية، بما يمكن معه خفض النفقات غير المجدية أو  زيادة النفقات الاستثمارية عبر تحسين الواردات المالية، حيث موازنات الدول تختلف عن  موازنات الأسر التي تلتزم بدخلها المحدود، واذا حصل ان وقعت في استدانة عالية قد يمكنها سدادها بخفض انفاقها، في حين ان الدول عندما تفعل ذلك تكون النتيجة أحياناً انحدار المداخيل وارتفاع معدلات البطالة، على غرار السياسات الاقتصادية لحكومات الارجنتين أو اليونان والبرتغال واسبانيا وايطاليا، أو على غرار ما حصل في دول شرق- آسيوية عام ١٩٩٧ حيث تحول التقشف الى الانحدار  وتحول الى ركود..  والركود الى كساد!